كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: النِّداء الواضِحُ على سَفَهِ هؤلاء المُشْرِكينَ، وَجْهُه: أنَّهم يَدْعُون ما لا يسمع دُعَاءَهُم، يدعون ما لو سَمِعَ دُعَاءهم - على فَرْضِ التَّقْديرِ - لم يَسْتَجِبْ لهم، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف: ٥]، فَقَوْله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ} يعني: لا أَحَدَ أَضَلُّ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: ١٣٠] وما هي مِلَّةُ إبراهيم؟ قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: ١٢٣] هذه مِلَّة إِبْراهيمَ؛ التَّوْحيدُ وعَدَمُ الشِّرْكِ، فهؤلاء السُّفهاءُ يَدْعُون ما لا يَسْتَجيبُ ولا يَنْفَعُ بل يَضُرُّ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أنَّ من تَعَلَّقَ بِغَيْر الله خابَ أَمَلُه؛ لأنَّ هذه الأَصْنَام لا تَنْفَعُهُم في الدُّنْيا ولا تَنْفَعُهُم يوم القِيامَة، إذن خاب أَمَلُهم، هم يقولون: (إنَّما نَعْبُدُهم ليقرِّبونا إلى الله زُلْفَى) ولكن ما قَرَّبوهُم، بل هذه ما زادَتْهُم إلا بُعْدًا، فأَمَلُهم قد خاب، والعياذ بالله، وخَسِروا الدُّنْيا والآخِرَة.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: في قَوْلِه تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} نوعُ هذا الكُفْر هو التَّبَرُّؤُ، فيُسْتَفادُ منه: أنَّ هذه الأَصْنَامَ المَعْبودَة تَتَبَرَّأ من عابديها يومَ القِيامَة، بل إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَجْمَعُ الأَصْنَامَ وعابديها ويُلْقيهِم في جَهَنَّم {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا} [الأنبياء: ٩٨ - ٩٩] ولَكِنَّها ليسَتْ آلِهَةً، فلا تَنْفَعُ.
فإن قلْتَ: قد يُبْتَلى داعي هذه الأَصْنَامِ فَتَسْتَجيبُ له ظَاهِرًا؛ بمَعْنى أن يَدْعُوَ الصَّنَمَ أن يَشْفِيَه من المَرَضِ الفُلانِيِّ فيُشْفَى، أو أن يَجْلِبَ له الخَيْر الفُلانِيَّ فَيَجْلِبُه، فما هو الجَوابُ؟

الصفحة 130