كتاب تفسير العثيمين: فاطر

حَصَرَ الفَقْرَ فيه؛ كأنَّه يقول: إن لم يكن أَحَدٌ فَقيرًا إلى الله فأنتم فُقَراءُ ولا بُدَّ، وإذا كان الإِنْسَانُ العاقل المدبِّرُ نَفْسُه فقيرًا إلى الله فما بالُكَ بالبهيمة، أليست أَشَدَّ فقرًا؟
الجواب: بلى، هي أَشَدُّ فقرًا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ من الإِنْسَان، لَكِنَّه خاطَبَ الإِنْسَان بذلك؛ لأنَّه هو الذي يرى أنَّه قد اسْتَغْنى عن الله وأنَّه غَنِيٌ عن الله، بل بَعْضُ بني آدم عَكَسَ القَضِيَّةَ فقال: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: ١٨١] والعياذ بالله، فعَكَسَ القَضِيَّة، والواقِعُ الذي تشهد به الفِطْرَة.
قَوْله تعالى: {إِلَى اللَّهِ}: {إِلَى} هذه للغاية؛ أي إنَّ فَقْرَكُم مُنْتَهٍ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لا يَسُدُّ عَوَزَكُم إلا اللهُ.
قَوْله تعالى: {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}: {الْغَنِيُّ} ضِدُّ الفَقير، والغَنِيُّ؛ أي: المُسْتَغْني عن غَيْره كما قال الله سُبْحانَهُ وَتَعَالَى في سورة (التغابن): {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} [التغابن: ٦]، فالله عَزَّ وَجَلَّ ذو الغِنَى الواسِعِ، ومع ذلك فإن غناه مَقْرُونٌ بِحَمْده؛ ولهذا قالَ: {الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} فهو غنيٌّ يُحْمَد على غناه؛ لأنَّه يجود به على غَيْرِه، لكن بنو آدم قد يكون الإِنْسَان منهم غَنِيًّا ولكن ليس حَميدًا، فإذا كان غنيًّا وتَسَلَّط بغناه على غَيْرِهِ وفَخَرَ به على النَّاسِ ولم يَقُم بما يَجِبُ عليه صار غنيًّا غَيْرَ حَميدٍ، لكن الله عَزَّ وَجَلَّ غنيٌّ حميد.
وكَلِمَة (حميد) يصح أن تكون بمَعْنى اسْمِ الفاعِلِ، ويَصِحُّ أن تكون بمَعْنى اسْم المفعول؛ اسْم الفاعِلِ؛ لأنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حامِدٌ يَحْمَدُ مِن عبادِهِ كُلَّ من يَسْتَحِقُّ الحَمْدَ منه؛ ولهذا يُثْنِي على رُسُلِه وأَنْبِيائِهِ وعِبادِهِ الصَّالحِينَ، والثَّناءُ عليهم هو الحَمْدُ.

الصفحة 133