كتاب تفسير العثيمين: فاطر

تعالى: {الْغَنِيُّ} بـ (أل) الدالَّةِ على العموم والإسْتِيعابِ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ الغِنَى الكامِلَ المُطْلَقَ خاصٌّ بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بدليلِ قَوْله تعالى: {هُوَ الْغَنِيُّ}.
فإن قُلْتَ: كيف تجمع بين هذا وبين ثُبوتِ الغِنَى لغَيْرِ الله في الكِتَابِ وفي السُّنَّة، قال الله تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: ٢٧٣]، وقال النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ" (¬١) فثَبَتَ بالكِتَاب والسُّنَّة أنَّ البَشَرَ فيهم أغنياءُ؟
فالجواب: أنَّ غنى البَشَرِ غِنًى مَحْدودٌ نِسْبِيٌّ قاصِرٌ قابِلٌ للزَّوالِ كما أنَّه كان حادِثًا، أمَّا غِنَى الله فهو غِنًى مُطْلَقٌ كامِلٌ أزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ، ونظير هذا ما ثبت في المُلْك والخَلْق والتَّدبير وما أشبه ذلك.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: الفرق بين قَوْله تعالى: {الْفُقَرَاءُ} و {الْغَنِيُّ} ففيها نوعُ كمالٍ لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَبَيَّن به نَقْصُ البَشَرِ تِجاهَ كمالِ الله، ونظيرُهُ قَوْله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: ٢٦] ثم قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٧] {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨] فإنَّ وَصْفَ المَخْلوقِ بالنَّقْص ثم إثْباتُ الكَمالِ لله هذا فيه دليلٌ على كمال الله عَزَّ وَجَلَّ، وأنَّ كَمالَهُ واضحٌ جدًّا؛ لأنَّكَ إذا ذَكَرْت عَيْبَ الآخَرِ تبيَّنَ لك كَمالَ مُقابِلِه.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنَّ غِنَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَقْرونٌ بالحَمْد؛ لِقَوْله تعالى: {الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} بخلافِ غنى البَشَر فإنَّه قد لا يكون مَحْمودًا؛ إمَّا بالبُخْل، وإمَّا بِكَوْنِه يأتي
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، رقم (١٣٩٥)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (١٩)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما -.

الصفحة 135