كتاب تفسير العثيمين: فاطر

لا بالمَعْنى المُطابِقِ للَّفْظ؛ لأنَّ المَعْنى المطابِقَ للَّفْظِ في {تَزِرُ} أي: تَأْثَم؛ إذ إنَّ الوِزْر هو الإِثْم، ولكن تقدَّم كثيرًا أن تَفْسيرَ القُرْآن قد يُرادُ به التَّفْسيرُ المُطابِقُ للَّفْظِ، وقد يُرادُ به التَّفْسيرُ بالمَعْنى المُرَادُ لا المُطابِق للَّفْظ؛ أي: [لا تَحْمِلُ وِزْر نَفْسٍ أخرى].
أفادنا أيضًا بِقَوْله: [{وَازِرَةٌ} نَفْسٍ] أنَّ {وِزْرَ} صِفَةٌ لمِوْصوفٍ مَحْذُوفٍ تَقْديره: (نَفْس)؛ أي إنَّ زيدًا لا يَحْمِلُ إثْمَ عَمْرو، وهندًا لا تَحْمِلُ وِزْر فاطمة مثلًا، فكلٌّ يَحْمِل وِزْرَه، قال الله تعالى مُبَيِّنًا ذلك في جُمْلَة تُعْتَبَرُ قاعِدَة: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: ٣٨] {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: ٢١].
وأمَّا من لم يَكْسِبْ شيئًا فليس عليه مِنْ إِثْمِ الآخَرِ شَيْءٌ، ولا يعارِضُ هذا قَوْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ" (¬١)؛ لأنَّ سَنَّه إيَّاها يُعْتَبَر وِزْرًا؛ لأنَّه هو الذي شَقَّ الطَّريقَ لها، ومَهَّدَ السُّبُل؛ فلهذا كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَن عَمِلَ بها إلى يَوْمِ القِيامَة، فالآيَةُ هنا لا تُنافي الحديث.
قال: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ}.
[{وَإِنْ تَدْعُ} نَفْسٌ {مُثْقَلَةٌ} بالوِزْرِ {إِلَى حِمْلِهَا} منه أَحَدًا لِيَحْمِل بَعْضَه {لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ}].
{وَإِنْ تَدْعُ} أي: تَطْلُب {مُثْقَلَةٌ} بالأَوْزارِ {إِلَى حِمْلِهَا} لِيُحْمَل عنها بَعْضُه {لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} وجُمْلَةُ {لَا يُحْمَلْ} جوابُ الشَّرْطِ، والشَّرْطُ قَوْله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُ} وهو مَجْزومٌ بِحَذْفِ الواو، والضَّمَّةُ قَبْلَه دليلٌ عليه و {لَا يُحْمَلْ} هذا هو
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة، رقم (١٠١٧)، من حديث جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -.

الصفحة 144