كتاب تفسير العثيمين: فاطر

جوابُ الشَّرْط، و {شَيْءٌ}: نائِبُ الفاعلِ؛ يعني اعْلَموا كما أنَّ الغَيْرَ لا يَحْمِلُ عن الغَيْر وِزْرَه فإنَّه حتى وإن دُعِيَ واستنجد لِيَحْمِل أو يُخَفَّف عن الوازِرِ شيئًا لم يَكُنْ ذلك، في الدُّنْيا ربَّما يُؤْخَذُ الإِنْسَانُ بِجَريرَةِ غَيْره، في الدّنْيا أيضًا إذا استغاثَ بك إِنْسَانٌ قد حَمَل شيئًا ثقيلًا خاصَّةً من كِبارِ السِّنِّ، إذا قابَلْتَ إِنْسَانًا حَمَلَ شيئًا ثقيلًا فإنَّك تُنْجِدُه، لكِنْ في الآخِرَة لو دَعَتْ نَفْسٌ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِها أن يَحْمِلَ أَحَدٌ منه شيئًا فإنَّها لا تُجَابُ إلىَ ذلك، {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} وَقَوْله تعالى: {شَيْءٌ} نكرة في سياق النَّفْيِ فَتَعُمُّ القَليلَ والكَثيرَ.
وَقَوْله تعالى: {مُثْقَلَةٌ} هي أيضًا نَكِرَةٌ في سياق النَّفْي فَتَعُمُّ، أيُّ مُثْقَلةٍ، مهما كانت هذه المُثْقَلَة، فإنَّها إذا دَعَت أَحَدًا من النَّاس أن يَحْمِلَ عنها من أَثْقالهِا لا يُحْمَل منه شَيْءٌ.
قَوْله تعالى: {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} وقال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَلَوْ كَانَ} المَدْعُوُّ {ذَا قُرْبَى} قَرَابَةٍ كالأبِ والابْنِ].
قَوْله: [{وَلَوْ كَانَ} المَدْعُوُّ] ألا يُمْكِن أن نقول: (ولو كان الدَّاعي)؟
الجواب: يُمْكِن؛ لأنَّهما مُتلازِمانِ؛ لأنَّ المَدْعُوَّ إذا كان قريبًا للدَّاعي كان الدَّاعي قَريبًا له، لكنْ أيُّهما أَنْسَبُ من حيث السِّيَاقُ: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} نقول: (المَدْعُوُّ) أَقْرَبُ؛ لأنَّه لو كان المُرَادُ الداعي لكان - والله أعلم - الأَنْسَبُ أن يقول: (ولو كانت ذا قُربَى)؛ لأنه قال: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} ومعلومٌ أنَّ ضَميرَ المُؤَنَّث ولو كان مَجازًا يكون مُؤَنَّثًا؛ قال ابن مالك رَحِمَهُ اللهُ:
وَإِنَّما تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ ... مُتَّصِلٍ أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ (¬١)
---------------
(¬١) الألفية (ص ٢٥).

الصفحة 145