كتاب تفسير العثيمين: فاطر

إذن: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} ولو كانت ذا قُربَى، هذا صحيح؛ أي: ولو كانت الدَّاعِيَة، لكن قال: {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} بالمُذَكَّر، عُلم أنَّ الفاعل غَيْرُ الدَّاعِيَة كما قال المُفَسِّر رحمه الله.
وَقَوْله: [{قُرْبَى} أي: قَرابَةٍ] ومنه قَوْله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١]؛ أي: القرابة، وَقَوْله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: ٢٣]، فالقُرْبى هنا بمَعْنى القَرَابَة، لو أنَّ الأَبَ اسْتَنْجَدَ بابنه يَوْمَ القِيامَة أن يَحْمِلَ عنه من أَوْزارِه لم يُجِبْه، بل {يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس: ٣٤ - ٣٦] لماذا؟
{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: ٣٧].
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [وعَدَمُ الحَمْل في الشِّقَّينِ حُكْمٌ من الله] أين الشِّقَّانِ؟ قَوْله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أي: لا تَحْمِلُ {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} وإذا كان من الله، فإنَّه لا يُمكن لأَحَدٍ أن يَحْمِلَ عن أَحَدٍ شيئًا، فلو أنَّ أَحَدًا قال لشَخْصٍ: (آثامُكَ عَلَيَّ) فلا يَصِحُّ هذا، لأنَّ الذي لا يحمل هو الله، فالحُكْمُ من الله عَزَّ وَجَلَّ، لو أنَّ أَحَدًا اسْتَنْجَد بأَحَدٍ أن يَحْمِل عنه، ووافق على نَجْدَتِه، فليس له ذلك؛ لأنَّ هذا حُكْمٌ من الله عَزَّ وَجَلَّ.
هذا الفائِدَة من قَوْلِه: [وَعَدَمُ الحَمْل في الشِّقَّينِ حكمٌ من الله] أي: فليس لأَحَدٍ أن يتجاوَزَ الحُكْمَ؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [العنكبوت: ١٢]؛ يعني: يقولون ذلك، لَكِنَّهم ليسوا بصادقين على هذا الحَمْل وإنَّهم لكاذبون؛ ثم قال: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: ١٣] لا بالتْزِامِهِم

الصفحة 146