كتاب تفسير العثيمين: فاطر

ولكن لأنَّهم هم الأُسْوَةُ والقُدْوَة فكانوا يَحْمِلون أَثْقالَهُم وأثقالَ من أَضَلُّوه.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ}.
{إِنَّمَا تُنْذِرُ} هذه جُمْلَةٌ فيها حَصْرٌ طريقُه {إِنَّمَا} والحَصْرُ هو إثباتُ الحكم في المذكورِ فيه ونَفْيُه عمَّا سواه.
كأنَّك تقول: (ما تُنْذِرُ إلا الذين يَخْشَوْنَ ربَّهم) و {تُنْذِرُ} من الإنذارِ، وهو الإِعْلامُ المَقْرونُ بالتَّخْويفِ، وإن شِئْتَ فقل: (الإِعْلام المُرَاد به التَّخويفُ)؛ لأنَّه قد لا يُقْرَن، لكن يُعْرَف من هَيْئَةِ الكَلَام والصِّياحِ مثلًا أَنَّه للتَّخويفِ، فمُنْذِرُ الجيش يقول: (واصَبَاحاه)، فيَعْرِف النَّاس أنَّ هذا إنذارٌ للجَيْشِ.
إِذَن: الإنذارُ معناه: الإِعْلامُ المُرَادُ به التَّخْويفُ، فالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول الله له: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}.
وَقَوْله تعالى: {يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} الخَشْيَة هي الخَوْفُ النَّابِعُ عن تعْظيمِ المَخُوفِ والعِلْمِ به، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨] وَقَوْلنا: إنَّه الخَوْفُ النَّابِعُ عن تعْظيمِ المَخُوفِ؛ لِيَشْمَل من كان خائِفًا ولو كان هو قويًّا؛ معناه القَوِيُّ قد يخاف من الأَقْوى منه فتكون هذه خَشْيَة، فإن خاف الضَّعيفُ مِنَ القَوِيِّ فهو خَوْفٌ؛ ولهذا نقول: إنَّ الخَشْيَة أَعْظَمُ من الخَوْفِ، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨].
وَقَوْله تعالى: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} أي: يَخافونَه خَوْفًا نابعًا من تعْظيمهم له مع عِلْمِهم بأنَّه مستحِقٌّ للتعْظيمِ.
وَقَوْله تعالى: {يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} الغَيْبُ ضد الشَّاهِدِ والمَعْلومِ.

الصفحة 147