كتاب تفسير العثيمين: فاطر

ولهذا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ مُشيرًا إلى ذلك بِقَوْله: [لأنَّهُمُ المُنْتَفِعون بالإنذار] [لأنَّهم]؛ أي: الذين يخْشَوْن رَبَّهم بالغَيبِ المُنْتَفِعون بالإِنْذار، فلهذا خَصَّ الإنذارَ بهم.
إذن: حَصْرُ الإنذارِ في الذين يخْشَوْنَ ربَّهم بالغَيْبِ المُرَادُ به حَصرُ الإنْتِفاعِ به، أو حَصْرُ نَفْعِه إنَّما يكون للذين يخْشَوْن ربَّهم بالغيب، أمَّا من لا يخشى الله فإنَّ هذا لا يَنْفَعُه؛ كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: ٩٦ - ٩٧].
قَوْله تعالى: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} فـ {وَأَقَامُوا} معطوفَةٌ على {يَخْشَوْنَ} أي: على صِلَةِ الموصول، وهنا قال: (يخْشَوْنَ وأَقاموا الصَّلاةَ) فعَطَفَ الماضِيَ على المُضارعِ؛ لأنَّ الخَشْيَة مُسْتَمِرَّةٌ في الأعمال كُلِّها؛ في إقامَةِ الصَّلاة وغَيْرِها.
وَقَوْله تعالى: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [أَداموها] والحَقيقَةُ أنَّ إِقامَة الصَّلاة أَعَمُّ مِمَّا قال، ففي تَفْسيره قُصُور؛ لأنَّ إقامَةَ الصَّلاةِ تَشْمَلُ إِتمْامَها، وإكْمَالها، والمحُافَظَة عليها، والمُداوَمَة عليها، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المُؤْمِنون: ١ - ٢] فالخشوع فيها من إقامَتِها، ثم قال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج: ٣٤] هذا أيضًا من إِقامَتِها أن يحافِظَ عليها ويَحْرِص عليها؛ على واجِباتِها، ومُكَمِّلاتِها، وأَوْقاتِها.
وقال في سورة (سأل): {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: ٢٣] وفي آخرها قال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج: ٣٤]، فإقامَةُ الصَّلاةِ تَشْمَلُ كل ما فيه إِكْمالهُا وإِتمْامُها وإِدامَتُها؛ فهو أَعَمُّ مِمَّا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ.
وَقَوْله تعالى: {الصَّلَاةَ} يَشْمَلُ الفَرْضَ والنَّفْل؛ لأن (أل) تفيدُ العُمُوم؛ أي:

الصفحة 149