كتاب تفسير العثيمين: فاطر

قَوْله تعالى: {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} المَصيرُ؛ بمَعْنى المَرْجع كما قال المُفَسِّر رَحِمَهُ الله، وجُمْلَةُ {وَإِلَى اللَّهِ} مُتَعَلِّقٌ بالمَحْذُوف خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، و {الْمَصِيرُ} مُبْتَدَأٌ مؤَخَّر، وهذه الجُمْلَةُ تُفيدُ الحَصْر؛ لأنَّه قدَّمَ فيها الخَبَر وحَقُّه التَّأْخير؛ يعني: إلى الله وَحْدَه المصيرُ؛ أي: المَرْجِعُ، وهل هذا في الدُّنْيا أو في الدُّنْيا والآخِرَة؟
الجوابُ: في الدُّنْيا والآخِرَة، فإلى الله المَصيرُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فمَرْجِع الأُمُورِ كُلِّها إلى الله عَزَّ وَجَلَّ سواءٌ كانت في الدُّنْيا أم في الآخِرَة.
فالأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ مَرْجِعُها إلى الله كما قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: ١٠]، والأَحْكَامُ الكَوْنِيَّة مَرْجِعها إلى الله، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الحج: ١٤]، والأَحْكَام الجزائِيَّة التي تكون يوم القِيامَة مَرْجِعُها إلى الله، فمصيرُ كُلِّ شيْء إلى من أبدع وأَحْدث كلَّ شَيْء، والذي أَبْدَع الأُمُورَ وأَحْدَثها هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعالَى.
إذن: مَرْجِعُها إلى الله، فمنه المبتدأ وإليه المنتهى.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ تَفْريعًا على قَوْله تعالى: {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [فيجزي بالعَمَل في الآخِرَة] وهذا إشارَةٌ من المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ إلى أَنَّه قَصَرَ المَصيرَ هنا بالمَرْجِع يوم القِيامَة، والصَّوَاب العُمومُ، وعلى هذا فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يجازي، ويَحْكُم قَدَرًا، ويَحْكُم شَرْعًا بين عباده.

من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ الإِنْسَانَ لا يَحْمِل آثامَ غَيْره؛ لِقَوْله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.

الصفحة 151