كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: الحثُّ على تَزْكِيَة النَّفْس؛ لِقَوْله تعالى: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} وكُلُّ إِنْسَانٍ عاقِلٍ إذا علم أنَّ مصْلَحَة العَمَلِ تعود إليه فإنَّه سوف يَهْتَمُّ به ويقوم به، فإذا عَلِمْتَ أن تَزَكِّيك لِنَفْسك حَرَصْت عليه غايَةَ الحِرْصَ.
والتَّزَكِّي كما أشرنا إليه يَشْمَل:
تَزْكِيَة القَلْب بِتَطْهيرِهِ من جميع الشِّرْك، والشَّكِّ، والضَّغائِن، والأَحْقاد، والبَغْضاء، وما أشبه ذلك.
وتَزْكِيَة الأَفْوَاه من كلِّ قَوْلٍ مُنْكَرٍ بألَّا يَقُول الإِنْسَانُ إلا خيرًا؛ لِقَوْل النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيصْمُتْ" (¬١).
وتَزْكِيَة الأَفْعالِ أيضًا من فِعلِ الفَواحِشِ والأَخْلاقِ السَّيِّئَة، وما إلى ذلك مِمَّا يَجِبُ على الإِنْسَانِ أن يَتَطَهَّر منه.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: كمال هذا الدِّينِ الإِسْلامِيِّ؛ حيث حثَّ على تَزْكِيَة النَّفْس ظاهِرًا وباطنًا؛ ظاهِرًا بالأَقْوالِ والأَفْعالِ، وباطنًا بالقُلوبِ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أنَّ مَرْجِعَ الخلائِقِ إلى الله في أَحْكَامِهِم الكَوْنِيَّة والشَّرْعِيَّة والجزائِيَّة، أمَّا الأَحْكَامُ الكَوْنِيَّةُ فظاهِرٌ أنَّ المَرْجِعَ إلى الله؛ لأنَّه لا أَحَد يَسْتَطِيع أن يَرُدَّ قضاء الله الكَوْنِيَّ، وأمَّا الشّرْعِيَّة فكذلك؛ فإنَّ العِبادَ مَرْبوبونَ مُتَعَبِّدونَ لله عَزَّ وَجَلَّ، فكان مُقْتَضَى ذلك أن يَتَمَشَّوا على أَحْكَامه الشَّرْعِيَّةِ، وأمَّا الجَزَائِيَّة فالأَمرُ ظاهِرٌ؛ فإنَّه لا يجازي العاملينَ على عَمَلِهم إلا اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، رقم (٦٠١٨)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف، رقم (٤٧)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

الصفحة 154