كتاب تفسير العثيمين: فاطر

إنَّ المستحيلَ غَيْرُ وارِدٍ؛ لأنَّ المُسْتَحيلَ لا يمكنُ وُجودُهُ، ليس المَعْنى أنَّه لا يُمْكِنُ باعتبارِ قُدْرَة الله، لكنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى إذا أراد أن يَجْعَلَ هذا المُتَحَرِّكَ مُتَحَرِّكًا صار مُتَحَرِّكًا لا ساكِنًا، أمَّا أن يكونَ مُتَحَرِّكًا ساكنًا في آنٍ واحدٍ، كيف ذلك والمُتَحَرِّكُ غَيْرُ ساكِنٍ؟
يقال (¬١): إنَّ الشَّيطانَ كان يَفْرَحُ بِمَوْتِ العالِم، إذا قيل: (مات فلان العالِمُ) فرح واسْتَأْنَسَ، لكن إذا قيل: (مات عابِدٌ) يقولُ: هذا هَيِّنٌ، فقال له جنوده: لماذا تَفْرَحُ بِمَوْت العالِم هذا الفَرَحَ العَظيمَ، ومَوْتُ العابِد لا يُهِمُّك مع أنَّ العابِدَ مُنْقَطِعٌ عن الدُّنْيا، وزاهِدٌ في الدُّنْيا، ويُكْثِرُ الذِّكْر والصَّلاة وغيرها؟
قال: لأنَّ العالِمَ أشَدُّ عليَّ من العابِد، قالوا: كيف؟ قال: سأُثْبِتُ لكم الآن، اذهبوا إلى العابِدِ وَقولوا له: هل يَقْدِرُ الله عَزَّ وَجَلَّ على أن يَجْعَلَ السَّمَواتِ والأَرْضَ في جَوْفِ بَيْضَة أو لا؟ فذهبوا إلى العابِدِ، قالوا له: هل يَقْدِرُ الله على أن يَجْعَلَ السَّمَواتِ والأَرْضَ في جَوْفِ بَيْضَة؟ قال: هذا مُسْتَحيلٌ، ولا يَقْدِرُ الله على هذا، ثم قال لهم قولوا له: هل يَقْدِرُ الله أن يَخْلُق مِثْلَه؛ أي: أنْ يَخْلُقَ مِثْلَ الله؟ فذهبوا له، وقالوا له: ما تقولُ: هل يَقْدِرُ الله أن يَخْلُقَ مِثْلَ الله؟ قال: نَعَمْ، إنَّ الله على كلِّ شَيْءٍ قَديرٌ، يَقْدِرُ الله على أن يَخْلُقَ ربًّا مِثْلَه.
إِذَن: كَفَرَ هذا العابِدُ سلبًا وإيجابًا؛ نَفْيُه القُدْرَةَ في الأَوَّلِ كُفْر، وإثباتُهُ القُدْرَةَ في الثاني كُفْر.
ثم قال لهم: اذهبوا إلى العالِمِ، واسْأَلوهُ عن هَذَيْنِ السُّؤالَيْنِ، فذهبوا إلى العالم
---------------
(¬١) ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم (١/ ١٢٩)، وابن القيم في مفتاح دار السعادة (١/ ٦٩)، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.

الصفحة 16