كتاب تفسير العثيمين: فاطر

قَوْمًا قَدْ جَيَّفُوا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُجِيبُوا؟ قَالَ: "مَا أَنْتُم بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ" (¬١)؛ يعني: أنَّهم يَسْمَعون، فما الجواب؟ قال قتادة: "أَحْيَاهُمُ اللهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا" (¬٢) ومَعْنى كَلَامه أنَّه خاصٌّ بهؤلاء.
فإن قُلْتَ: ما الجواب عما ثبت في الحديث الصَّحيحِ أيضًا من أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ العَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالهِمِ" (¬٣)؟
فالجواب: أنَّ هذا عند الدَّفْنِ، وأيضًا لا يَلْزَمُ من سَماعِ قَرْعِ النِّعالِ أن يسمع الكَلَام والدَّعْوة.
وإن قلتَ: ما الجواب عما رواه أبو داودَ وغَيْرُه وصَحَّحَه ابنُ عَبْدِ البَرِّ (¬٤) ولم يخالِفْه ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ (¬٥) من أنَّه: "ما من مُسْلِمٍ يُسَلِّمُ على قَبْرٍ كان يَعْرِفُه في الدُّنْيا إلا رَدَّ الله عليه رُوحَه فَرَدَّ عليه السلام".
فالجوابُ: أن يقال: هذا في حالٍ مَخْصوصَةٍ دلَّ عليها الحديثُ، ولا يَلْزَم من هذا، إذا سَمِعَ (السَّلام عليك) وهو دُعَاءٌ له أن يَرُدَّ السَّلامَ على من سَلَّم، أن يَسْمَعَ كُلَّ من تكلَّم عنده.
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، رقم (٢٨٧٤)، من حديث أنس - رضي الله عنه -. وأخرجه بنحوه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، رقم (١٣٧٠)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(¬٢) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، رقم (٣٩٧٦).
(¬٣) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب الميت يسمع خفق النعال، رقم (١٣٣٨)، ومسلم: كتاب الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار، رقم (٢٨٧٠)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.
(¬٤) أخرجه ابن عبد البر في الإستذكار (١/ ١٨٥)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(¬٥) الروح (ص ٥).

الصفحة 169