كتاب تفسير العثيمين: فاطر

قالوا له هَلْ يَقْدِرُ الله عَزَّ وَجَلَّ على أن يَجْعَلَ السَّمَواتِ والأَرْضَ في جَوْفِ بَيْضَة؟ قال: نعم، يقولُ: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: ١١٧] إمَّا أن تَصْغُرَ السَّمَواتُ والأَرْض، أو تَكْبَر البَيْضَة، المهمُّ إذا أراد قال فكانَ، قالوا: فهل يَقْدِرُ الله أن يَخْلُقَ مِثْلَه؟
قال: هذا أمرٌ مُسْتَحيلٌ، والمِثْلِيَّةُ لا يُمْكِنُ أن تتطابَقَ أبدًا؛ لو لم يكن من الفارِقِ العَظيمِ إلا أنَّ هذا حادِثٌ وذاك واجِبُ الوجودِ، هذا مُسْتَحيلٌ.
المهمُّ: أنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ على كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ، لكنَّ الشَّيْءَ المُسْتَحيلَ الذي لا يُتَصَوَّر لا يُتَصَوَّر، وليس المُرادُ هنا المُسْتَحيلَ عادةً؛ فالمُسْتَحيلُ عادةً يُخْلِفُه الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنَّ الله هو خالقُ العادَةِ وقادرٌ على تَغْييرِها، وهذه النَّارُ التي تَحْرِق كانت بَرْدًا وسَلامًا على إبراهيمَ، وهذا الماءُ السَّيَّال صار جامِدًا كالطَّوْدِ العَظيمِ، والعادَةُ يُمْكِنُ أن يُغَيِّرَها الله عَزَّ وَجَلَّ بكُلِّ سهولَةٍ، لكنَّ الكَلامَ على الأَمْرِ المُمْتَنِع المُسْتَحيلِ.
يقولُ العُلَماءُ رَحِمَهُم اللهُ: إنَّه لا تتعلَّقُ به القُدْرَة؛ لأنَّه مُسْتَحيلٌ؛ ولهذا قال السَّفاريني في العقيدة (¬١):
" ................... ... .................... وَاقْتَدَرْ
بِقُدْرَةٍ تَعَلَّقَتْ بِمُمْكِن ... .......................... "
وهذا أمرٌ مُتَّفَقٌ عليه عند العُقَلاءِ.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} هذا ليسَ فيه اسْتِثْناءٌ، كتب الجلال رَحِمَهُ اللهُ - وهو السيوطي - على هذه الآيَة في سورة (المائِدَة) قال: "وَخَصَّ العَقْلُ ذَاتَهُ فليس عليها بقادرٍ"؛ يعني: على كلِّ شَيْء قديرٌ إلَّا على ذاتِه فليس عليها بقادِرٍ.
---------------
(¬١) العقيدة السفارينية (ص ٥٢).

الصفحة 17