كتاب تفسير العثيمين: فاطر

موسى - صلى الله عليه وسلم - جاء بالعصا واليد؛ لأنَّه اشْتُهِرَ في عصره وبرز في عَصْره صِناعَةُ السِّحْرِ؛ فجاء بأمرٍ فوق ما تَجيءُ به السَّحَرَة؛ السَّحَرَةُ إنَّما يُمَوِّهونَ ويُخَيِّلونَ، وهو جاء بالحَقيقَة.
قال تعالى: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: ٦٦] يُخَيَّل إليه، ولَكِنَّه ليس بحَقيقَةٍ، هو ألقى عصاه فصار حَقيقَةً فِعْلِيَّة تَلْقَفُ ما يَأْفِكون.
قالوا: وعيسى - صلى الله عليه وسلم - أتى في وقتٍ تَرَقَّتْ فيه صناعة الطِّبِّ، فجاء بأمرٍ يَعْجِزُ عنه الأَطِبَّاء ولا يَسْتَطِيعونَه؛ جاء بإِبْراء الأَكْمَهِ، والأَبْرَصِ، وإحياءِ الموتى، وخَلْقِ صُورَةٍ من الطِّينِ يَنْفُخُ فيها فتطيرُ؛ أي: تكون طيرًا حَقِيقِيًّا.
وهذا يعْجِزُ عنه الطِّبُّ، فلا يُمْكِن لأيِّ طَبيبٍ يكون أمامَه رَجُلٌ مَيِّتٌ، فيقول: (قم) فيقوم، أبدًا، لا يُمْكِنُ لأيِّ طبيب يأتي إلى المقابِرِ ويَقِفُ على القَبْرِ ويقول: (اخْرُج) فيَخْرُج، وعيسى يفعل ذلك؛ كما قال الله تعالى: {وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي} [المائدة: ١١٠] فهو يُخْرِجُهم من مَدافِنهم، ولا يُمْكِن لأيِّ إِنْسَانٍ من الأَطِبَّاء أو غَيْرهم أن يَخْلُقَ من الطِّينِ كَهَيئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخ فيه فيطير، أبدًا.
فالأَكْمَهُ والأَبْرَصُ لا يُمْكِن لأَحَدٍ أن يُبْرِئَه من المَرَضِ الذي أصابه بِمِثْل ما يُبْرِئُه عيسى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ يُؤتَى إليه بِذَوِي العاهات ويَمْسَحُ بِيَدِهِ عليه ويَبْرَأ، يزول؛ يعني: هذا البَرَص الذي ملأ الجِلْدَ أو أَكْثَره يُمِرُّ يَدَه عليه فلا تتعدى يَدُه مكانًا إلا عاد على طَبيعَتِه، هذا لا يَسْتَطِيع أَحَدٌ من الأطِبَّاءِ مهما بلغ في الطِّبِّ أن يصل إلى هذه الحالِ.

الصفحة 184