كتاب تفسير العثيمين: فاطر

قالوا: ومُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أتى إلى قومٍ قد بَلَغوا في البَلاغَة ذِرْوَتَها، فجاء بكَلَامٍ لا يَسْتَطِيعونَ مُباراتَه أبدًا، وهو كَلَامُ الله، وتَحَدَّاهم الله تعالى في عِدَّة آياتٍ أن يأتوا بسورة من مِثْلِه، أو بِعَشْر سورٍ مِثْلِه، أو بِحَديثٍ منه، فلم يَسْتَطِيعوا.
المُهِمُّ: أنَّ جميعَ ما جاءت به الرُّسُل آياتٌ بَيِّناتٌ.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَبِالزُّبُرِ}: كصُحُفِ إبراهيمَ] الزُّبُر جَمْعُ زبورٍ، وهو ما يُزْبَرُ ويُؤَثِّر؛ يعني: الكِتَاب، ولو أنَّ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ قال: (كَزَبورِ داودَ) لكان أَنْسَبَ للآيَةِ، لأنَّ صُحُفَ إبراهيم ما ذكر الله عنها أنَّها زُبُرٌ، ولكن ذكر: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: ١٦٣].
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} هو التَّوْراةُ والإِنْجيلُ] الصَّواب أنَّ الكِتَاب المُنيرَ ليس التَّوْراة والإِنْجيل، بل كُلُّ كِتَابٍ بَعَثَ الله به الرَّسُولَ يُنيرُ الطَّريقَ لِأُمَّتِه، فيشمل التَّوْراة، والإنجيل، والزَّبُور، وصُحُف إبراهيم، وغير ذلك، ما من رسولٍ أَرْسَلَه الله إلا معه كِتَاب، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد: ٢٥]، وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ} [البقرة: ٢١٣].
فلا يُمْكِن أن نقول: إنَّ نوحًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُرْسِلَ بدون كِتَابٍ أبدًا، لا بُدَّ أنَّه أَرْسِلَ بكِتَاب، لكن لا يَلْزَمُ من كونه أُرْسِلَ به أن يُذْكَر لنا هذا الكِتَاب.
قَوْله: [فاصبر كما صبروا] وهل صَبَرَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟
الجواب: نعم، صبر صبرًا لا يَصْبِره إلا أولو العَزْم.

الصفحة 185