كتاب تفسير العثيمين: فاطر

السَّنَةُ بِألَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا وَلَا تُنْبِتُ الأَرْضُ شَيْئًا" (¬١)، فلما كان إنعامُ الله تعالى بإخراجِ النَّباتِ أَعْظَمَ صار الإلتفاتُ إلى التَّكَلُّم أولى لعِظَمِ المِنَّة فيه.
قَوْله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} فهنا قال: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ} ولم يقل: (أَخْرَجْنا به نباتًا)، وقد قاله في آيَةٍ أخرى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا} [الأنعام: ٩٩] لكن هنا قال: {ثَمَرَاتٍ} لأنَّ المَقصودَ من هذا الخارِجِ هو الثَّمَرة، فبيَّن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الغايَةَ المقْصودَةَ وهي الثَّمَراتُ.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} كأَخْضَر وأَحْمَرَ وأَصْفَرَ وغيرها] وهذا يدلُّ على قُدْرَةِ الله، فهذه الثَّمَرات مُخْتَلفٌ ألَوْانُها، وكَلِمَة (ألَوْان) يُحْتَمَل أن يكون المُرَادُ ما ذكره المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ وهو اللَّون المُخْتَلِف بالحُمْرَة، والصُّفْرَة، والخُضْرَة، وما أشبه ذلك، ويُحْتَمَلُ أنَّ المُرَاد بالأَلْوانِ الأَصْنافُ، فإنَّ الأَلْوانَ تُطْلَق على الأَصْنافِ كما قال الإمامُ أَحمَدُ رَحِمَهُ اللهُ في صلاةِ اللَّيْلِ في قيام رَمَضانَ قال: "رُوِيَ في ذلك ألَوْانٌ" (¬٢) أي: أَنْواعٌ وأَصْنافٌ، وإذا نظرْتَ إلى الخارج من الأَرْض وَجَدْتَ أنَّه ذو ألَوْانٍ في شَكْلِه، وذو ألَوْان في أَنْواعِهِ وَأَصْنافِهِ، ما بين حُلْوٍ ومُرٍّ ومُتَوَسِّط وحامِض وغير ذلك مِمَّا هو معلومٌ.
وهذا الأَخيرُ إذا قلنا: إنَّ المُرَاد بالأَلْوانِ ما يَعُمُّ الأَنْواعَ؛ أَشْمَلُ مِمَّا لو قلنا: إنَّ المُرَادَ بالأَلْوان اختلاف الشَّكْل، وقد تقَدَّمَت قاعِدَة: بأنَّه كلَّما كان المَعْنى أَشْمَل في باب التَّفْسيرِ كان أولى؛ لأنَّ الأَشْمَل يَعُمُّ الأَخَصَّ وغيره، بخلاف الأَخَصِّ.
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في سكنى المدنية وعمارتها قبل الساعة، رقم (٢٩٠٤)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(¬٢) مسائل الإمام أحمد رواية الكوسج (٢/ ٧٥٦).

الصفحة 191