كتاب تفسير العثيمين: فاطر

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} بالشّدَّةِ والضَّعْفِ] هنا فسَّر المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ الألَوْان بالماهِيَّة وليس بالأَشْكالِ؛ لأنَّه قال: [بالشِّدَّةِ والضَّعْف] ولم يقل: [باللَّون الأَحْمَر أو الأَبْيَض].
على كُلِّ حالٍ: (الألَوْان) كما سبق تُطْلَقُ على الأَنْواع أحيانًا.
وهذا الإختلاف في ألَوْانِ أَحْجارِ الجبال كالإخْتِلاف في ألَوْانِ الثِّمار.
قَوْله تعالى: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [عطفٌ على جُدَد؛ أي: صخورٌ شديدَةُ السَّوادِ، يقال كثيرًا: أَسْوَدُ غِربيبٌ، ويقال قليلًا: غربيبٌ أَسْوَدُ]، فالغَرابيبُ جَمْع غِرْبيِبٍ، والغِربيِبُ: شديدُ السَّوادِ.
وكان مُقْتَضَى التَّرْكيبِ أن يقال: (وسُودٌ غَرابِيبُ)، ولكنَّ الله تعالى قدَّم فقال (وَغَرَابِيبُ سُودٌ) فعلى هذا زَعَمَ بَعْضُهم أنَّ في الكَلَام تقديمًا وتَأْخيرًا، وقال بعضهم: بل هو على تَرْتيبِهِ، ليس فيه تقديمٌ وتأخيرٌ، ولكنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بيَّن الأَسْوَدَ الشَّديدَ السَّوادِ قبل بيان مُطْلَقِ السَّوادِ، هذا أيضًا مُشاهدٌ؛ نجد في الجبال طُرُقًا يعني كالطَّريقِ أو كالخَطِّ أَسْوَد خالصًا، وإلى جانبه طريقٌ أَبْيَضُ، أو أَحْمَر، أو ما أشبه ذلك، كل هذا دليلٌ على قُدْرَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ.
فنجد نحن أنَّ هذا الإخْتِلافَ في الجبال هو كالإخْتِلافِ في الثَّمَرات.

من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: التَّنْبيهُ على أنَّه يَنْبَغي للإِنْسَانِ أن يَتَفكَّر في خَلْقِ الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لِقَوْله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ} فإنَّ هذا تقريرٌ، والتَّقْريرُ لا يكون إلا بعد أن يَنْظُرَ المُقَرَّر فيما قُرِّرَ به حتى يُقِرَّ به ويَعْتَرِفَ.

الصفحة 193