كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بَيانُ قُدْرَة الله عَزَّ وَجَلَّ وحِكْمَتِه ورَحْمَتِه، وذلك بإنزالِ الماءِ من السَّماء، ففيه قُدْرَةٌ عَظيمَة؛ أن يَنْزِلَ هذا الماء الذي يكون بِحارًا أحيانًا يُدَمِّر ما مرَّ عليه من البناء ويَجْتَرِف الأراضِيَ مع أنَّه يَنْزِلَ من هذا السَّحابِ الرَّقيقِ الذي تَخْتَرِقُه الطَّائِرة كما نُشاهِدُ، ويَتَمَزَّق عندما يَمُرُّ بالجبالِ وبالبِناءِ وما أشبه ذلك؛ تَنْزِلُ منه هذه المياه العَظيمَة، هذا تمامُ القُدْرَة.
وتمامُ الرَّحْمَةِ: ما يَحْصُل من هذا المَطَرِ من الآثار النَّافِعَة للعبادِ.
وتمَامُ الحِكْمَة؛ لأنَّ هذا المَطَرَ يَنْزِلُ من أعلى حتى يَشْمَل المُرْتَفِعَ والمُنْخَفِضَ من الأَرْض، ولو كان يَمْشي مَشْيًا كالأَنْهار لكان الأَسْفَلُ من الأَرْض يَرْوَى بالماء بل يَغْرِق، أمَّا الأعلى فلا يُصيبُه شَيْءٌ، وهذا من تمام حِكْمَة الله عَزَّ وَجَلَّ؛ أنَّه يَنْزِل من فوق.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثباتُ الأَسْبابِ؛ لِقَوْله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ} فإنَّ الباءَ هنا للسَّبَبِيَّة، ففي الآيَة إثباتُ الأَسْبابِ وأنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد قَرَنَ الأشياء بأَسْبَابِها، وهذا من تمَامِ حِكْمَتِه؛ أن تكون الأَسْبابُ والمُسَبَّباتُ مُتلازِماتٍ، فمِنَ المَعْلومِ أنَّ الله قادِرٌ على أن يُخْرِجَ هذه الثَّمَراتِ بدون ماءٍ، ولكن قد جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سببًا.
إذن: في الآيَة إثباتُ الأَسْبَابِ؛ ولذلك لَزِمَ علينا القَوْلُ بِوُجوبِ الفِعْلِ؛ لأنَّ السَّبَبَ يَسْتَلْزِمُ وجود المُسَبَّب، وهذا يقتضي أن نُوجِبَ على الله عَزَّ وَجَلَّ وُجودَ المُسَبَّب لوجود السَّبَب.
فعُلَماءُ الكَلَام كالجَبْرِيَّة مثلًا أَنْكَروا حِكْمَةَ الله، يقولون: لأنَّنا لو قلنا بِثُبوتِ الحِكْمَةِ والسَّبَبِيَّة لزم من ذلك أن نُوجِبَ على الله تعالى أن يَفْعَل كما قال ذلك خُصُومُهم من المُعْتَزِلَة، فالمُعْتَزِلَة يقولون بِوُجوبِ الأَصْلَح، بعضهم يقول بوجوبِ

الصفحة 194