كتاب تفسير العثيمين: فاطر

قَوْله تعالى: {وَالدَّوَابِّ} جمع دابَّة، وتُطْلَقُ على عِدَّة معانٍ، تُطْلَقُ على كلِّ ما دَبَّ على الأَرض كما في قَوْله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النُّور: ٤٥]، وكما في قَوْلِه تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ} [هود: ٦] يَشْمَل كُلَّ ما دَبَّ على الأَرْض من إِنْسَان وحيوانٍ وحشرات، وغير ذلك.
وتُطْلَقُ الدَّابَّةُ على ما يَدبُّ على بطنه؛ مثل: الحيَّات، وتُطْلَقُ الدَّابَّة على ذوات الأَرْبَعِ كالحِمارِ، فما المُرَاد بها في هذه الآيَة؟
نقول: المُرَاد بها ما عدا النَّاسَ والأَنْعامَ، فتَشْمَلُ كُلَّ ما دَبَّ على الأَرْض إلا النَّاسَ والأَنْعامَ.
فإن قلت: لماذا لا تَجْعَلُها شامِلَةً وتجعل هذا من بابِ عَطْفِ العامِّ على الخاصِّ بالنِّسْبَة للنَّاسِ، ومن بابِ عَطْفِ الخاصِّ على العامِّ بالنِّسْبَة للأنعام؟
يعني: لو قال قائِلٌ: المُرَاد بالدَّوابِّ: كُلُّ ما دَبَّ على الأَرض، لَكِنَّها عُطِفَت على النَّاسِ مِن باب عَطْفِ العامِّ على الخاصِّ، وعُطِفَتِ الأَنعامُ عليها من باب عَطْفِ الخاصِّ على العامِّ؟
قلنا: هذا مُمْكِنٌ، لكِنَّ التَّقْسيمَ يُبعِدُه، فيكون المُرَادُ بالدَّوَابِّ ما عدا النَّاسَ والأَنْعامَ، والمُرَادُ بالأنعام ما يَنْتَفِعُ النَّاس به؛ كما قال الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} [الزخرف: ١٢]، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} [يس: ٧١ - ٧٣].
فيكون المُرَادُ بالأَنْعامِ هنا ما يَنْتَفِعُ النَّاس به كالإِبِل، والغَنَم، والبَقَر، والطيور الحلال، وغير ذلك.

الصفحة 198