كتاب تفسير العثيمين: فاطر

فيها من العِلْمِ والعَمَلِ، قالوا: "فَتعَلَّمْنَا القُرْآن وَالعِلْمَ وَالعَمَلَ" (¬١).
قَوْله تعالى: {يَتْلُونَ} فعلٌ مُضارعٌ يدلُّ على الإسْتِمْرار، بخلاف ما لو قال: (إنَّ الذين تَلَوْا) بالماضي، فإنَّه لا يُفيدُ المَعْنى الذي يُفيدُه المضارُعُ {يَتْلُونَ}.
وَقَوْله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ} هل هو القُرْآنُ أو هو أَعَمُّ من ذلك؟
الجواب: هو أَعَمُّ من ذلك، كِتَاب الله: الكُتُب التي أنزلها الله تعالى على الرُّسُل، فيَشْمَلُ جَميعَ الكُتُبِ؛ لأنَّ هذا الحُكْم يَشْمَلُ المُؤْمِنينَ من هذه الأُمَّة والمُؤْمِنينَ مِمَّا سَبَقَهم، فيكون المُرَادُ هنا: {كِتَابَ اللَّهِ} كل كِتَابٍ أنزله الله تعالى على رسُله.
قَوْله تعالى: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} معطوفَةٌ على {يَتْلُونَ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أداموها] والصَّوابُ خلاف ما قاله المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، يعني: معناه أنَّنا نختار كَلِمَةً أَشَدَّ مُطابَقَةً لِلَّفْظِ؛ فـ {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} أي: أتَوْا بها مُسْتَقيمَة؛ فيَشْمَلُ فِعْلَ الصَّلاة تامَّةً بِشُروطِها، وأَرْكانِها، وواجِباتِها، ومُسْتَحَبَّاتِها، ويَشْمَلُ الإِدامَة، أيضًا؛ لأنَّ الإِدامَة مِنَ الإِقامَة، وعلى هذا نقول: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} أي: فَعلوها قائِمَةً؛ أي: مُسْتَقيمَة على الوَجْهِ المطلوبِ منهم.
لو أنَّ الإِنْسَان أدامَ الصَّلاةَ لكن يُخِلُّ بأرْكانِها أو واجباتِها، فهل يقال: إنَّه أقام الصَّلاة؟ الجواب: لا، فالرَّجُلُ الذي جاء يُصَلِّي ولا يَطْمَئِنُّ كان يصلي هذه الصَّلاة منذ أَسْلَم، والرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قال له: "صَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" (¬٢) مع أنَّه يُديمُ
---------------
(¬١) أخرجه الإمام أحمد (٥/ ٤١٠)، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.
(¬٢) أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، رقم (٧٥٧)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، رقم (٣٩٧)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

الصفحة 205