كتاب تفسير العثيمين: فاطر

{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: ٢٩]، ومع ذلك لا نقول: (إنَّك لا تعبد الله لله) بل اعْبُدِ الله لله ولِثوابِ الله؛ فإنَّك لن تَصِلَ إلى الله إلا بعد وُصولِكَ إلى ثوابِ الله، فإنَّ لقاء الله - اللقاء الذي هو الرِّضا التَّامُّ - إنَّما يَحْصُل في الجَنَّة؛ ولهذا قال الله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: ١٨٥] هذا الفوز الكامل، وَقَوْله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [الرعد: ٢٢] متى يرون وجه الله؟
الجواب: إذا دخلوا الجَنَّة، رُؤْيَةُ وَجْهِ الله الرُّؤْيَة التَّامَّة بعد دخول الجَنَّة.
الحاصِلُ: أنَّ في هذه الآيَة وأمثالهِا ما يدلُّ على ضَعْفِ ذلك المَسْلَك الذي سلكه أولئك الصُّوفِيَّة بألَّا تَعْبُدَ الله لثواب الله ولكن اعْبُدِ الله لله، فنقول: ما أكْثَرَ الآياتِ الدالَّةَ على أنَّ العِبَادَة تكون لِفَضْل الله وثوابه.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: ضمان الثَّوابِ؛ يعني أنَّ الثَّواب مَضْمونٌ للعامل الذي يتعامل مع الله عَزَّ وَجَلَّ بناءً على أنَّ اللَّام للعاقِبَة؛ أي: إنَّ هذا العَمَلَ سوف يُوَفَّى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} وفيه أيضًا وجْهٌ آخر لضمان الثَّوابِ؛ أنَّ الله سماه أجرًا، والأجر لا بُدَّ أن يُدْفَعَ لمن قام بالعَمَل.
بل جاء في الحديث الصَّحِيح، قال الله تعالى في الحديث القدسي: "ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ" (¬١).
فإذا كان الله خصمًا لهؤلاء؛ لأنَّهم لم يُعْطُوا الأجر فإنَّه يدلُّ على أنَّ الأجر الذي ضمنه الله لعباده سوف يَحْصُل قطعًا، ولكن لا بُدَّ أن يكون العَمَل صحيحًا.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب البيوع، إثم من باع حرًّا، رقم (٢٢٢٧)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

الصفحة 215