كتاب تفسير العثيمين: فاطر

قصة يَعْلَى بن أمَيَّة الذي كان أحْرَمَ بالعُمْرة وهو مُتَضَمِّخٌ بالخلوق، فسأل النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، ولَكِنَّه لم يُجِبْه حتى جاءه الوحي (¬١)، وأحيانًا يُسْأَلُ عن الشَّيْء ثم ينزل به الوَحْيُ على أنَّه كَلَام الله (قُرْآن) فيُبَلِّغُه النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -.
قَوْله تعالى: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} المُرَادُ به هنا القُرْآن قطعًا؛ بدليل قَوْله تعالى: {مِنَ الْكِتَابِ} لأن {مِنَ} بيانِيَّة، تُبَيِّنُ الإبهام في اسْم الموصول {وَالَّذِي} لأنَّ اسْمَ الموصول فيه إبهامٌ، فإذا جاءت من بعد اسْم الموصول فهي تَبْيِينِيَّة.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} القُرْآن] وهو كِتَاب بمَعْنى مَكْتوبٍ؛ لأنَّ صيغة (فِعَال) تأتي كثيرًا بمَعْنى مَفْعولٍ، وأمثلتها: (غِراس، بِناء، فِراش) بمَعْنى: مَغْروس، ومَبنِيٍّ، ومَفْروش، فالكِتَاب بمَعْنى مكتوبٍ، مكتوب في أي شَيْءٍ؟ مكتوب في اللَّوْحِ المَحْفوظ، مكتوبٌ في الصُّحُف التي بأيدي المَلائِكَةِ؛ كما قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: ١١ - ١٦]، مَكْتوبٌ في المصاحف التي بأيدينا.
إذن: هو مَكْتوبٌ على ثلاثَةِ أَوْجُهٍ: اللَّوْح المَحْفوظ، الصُّحُف التي بأيدي المَلائِكَة، الصُّحُف التي بأيدينا.
قَوْله تعالى: {هُوَ الْحَقُّ}: {هُوَ} ضميرُ فَصْلٍ، و {الْحَقُّ} خَبَرُ {وَالَّذِي} فالذي أوحى الله إلى رَسُوله - صلى الله عليه وسلم - هو الحَقُّ، أكَّدَ الله ذلك بِمُؤَكِّدَينِ: ضَميرِ الفَصْلِ، وتَعْريف رُكْنَيِ الجُمْلَة.
قَوْله تعالى: {الْحَقُّ}: يعني: الشَّيْءَ الثَّابِتَ صِدْقًا في الأَخْبار وعدلًا في
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب غسل الخلوق ثلاث مرات، رقم (١٥٣٦)، ومسلم: كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، رقم (١١٨٠)، من حديث يعلى بن أمية - رضي الله عنه -.

الصفحة 218