كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الأَحْكَام، فأَحْكَامُ القُرْآن كُلُّها عَدْلٌ، وأَخْباره كُلُّها صِدْقٌ، ليس فيها كَذِبٌ بِوَجْهٍ من الوجوه، وليس في أَحْكَامِهِ جَوْرٌ بوجهٍ من الوجوه؛ لأنَّك إذا تأمَّلْتَ أَحْكَامه وَجَدْتَه قد أعطى كل ذي حَقٍّ حَقَّه؛ فلهذا كان عدلًا في الأَحْكَام، وإذا تأمَّلْتَ أَخْباره وَجَدْتَها كُلَّها صدقًا، وهذا هو الصِّدْق في الأَخْبار، وقد قال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: ١١٥].
قَوْله تعالى: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [تَقَدَّمَه من الكُتُب]؛ يعني: مُصَدِّقًا لما تَقَدَّمَه من الكُتُب؛ لأنَّ الكتب التي سَبَقَتْه تكون بين يديه، ألا ترى إلى الرَّجُل يكون أمامك فهو قد سَبَقَك، وتقول: (إنَّ الرَّجُل بين يديك)، وربَّما يقال لمِا بين اليدين للشَّيْءِ المُسْتَقْبَل؛ لأنَّه أمامك أيضًا كما في قَوْلِه تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة: ٢٥٥]؛ أي: مُسْتَقْبَلَهم وماضِيَهم.
وَقَوْله تعالى: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} كَيْفِيَّةُ التَّصْديقِ للكُتُب السابقة من وَجْهَيْنِ:
الوجه الأول: أنَّه صدَّقها؛ أي: أَثْبَتَ أنَّها صادقة، فالقُرْآنُ يُثْبِتُ صِحَّة التوراة والإِنْجيل والزَّبُور وغير ذلك من الكُتُب، ويُبَيِّن أنَّها صِدْق.
الوجه الثاني: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} لأنَّ الكُتُبَ السَّابِقَة أخبرت به، فنُزُولُه يكون تَصْديقًا لها، فهو مُصَدِّقٌ لما بين يديه من وَجْهَيْنِ:
الوجه الأول: أنَّه صَدَّقَ ما سبقه؛ أي: قال: إنَّها كُتُبٌ صادِقَة ثابِتَة وأوجب الإيمان بها.
والوجه الثاني: أنَّه صَدَّقَ ما أخْبَرَتْ به؛ أي: نَزَلَ مُطابِقًا لما أخبرت به كما قال

الصفحة 219