كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: ١٩٦]، القُرْآن؛ زُبُرُ الأَوَّلِينَ كُتُبُهم؛ يعني أنَّه موجود في كُتُبِهم، وأنَّه سوف يَنْزِل، كما أنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - كذلك قد أُخِذَ العَهْدُ والميثاق على كُلِّ نَبِيٍّ أن يُصَدِّق به، قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: ٨١].
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِير} عالمٌ بالبواطِنِ والظَّواهِرِ] هذه الجُمْلَة تَعَلُّقُها بما قبلها أنَّها تفيدُ تَحْذيرًا وإِنْذارًا وتَرْغيبًا، فهي ترغيبٌ وتَرْهيبٌ؛ لأنَّه لما أَخْبَر بأنَّ هذا القُرْآن هو الحَقُّ، فقد انْقَسَم النَّاس في هذا الحَقِّ إلى قسمين: قسمٌ صدَّق به، وقسمٌ كَفَرَ به.
وكلُّ هؤلاء نقول لهم: إنَّ الله تعالى بكم خبيرٌ بصيرٌ، فالذين صَدَّقوا به لن يَضيعَ تَصْدِيقُهم وعَمَلُهم بما جاء به؛ لأنَّ الله خبيرٌ به وبصيرٌ به، وسوف يجازيهم عليه، والذين كذَّبوا به أيضًا لن تَخْفى حالُهم على الله عَزَّ وَجلَّ، فسوف يُعاقِبُهم بما يقتضي تكذَيبهم وإِنْكارَهُم واسْتِكْبارَهم، فالجُمْلَة إذن: هي باعتبارِ المُصَدِّقينَ لهذا القُرْآن للبِشارَة وبِاعْتِبارِ المُكَذِّبين للإنذارِ والتَّحْذيرِ.
وَقَوْله تعالى: {لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ}: {لَخَبِيرٌ} اسْمُ فاعِلٍ على صيغة مبالَغَةٍ، وإن شئت فقل: إنَّه صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، وهو أحسن بالنِّسْبَة لما يَتَعَلَّق بالعِلْمِ، الأحسن في هذا أن نقول: (إنَّه من باب الصِّفَة المُشَبَّهَة)؛ لأنَّ الصِّفَة المُشَبَّهَة تدلُّ على الثبوت، لكنَّ صيغةَ المُبالَغَة قد تدُلُّ على الحُدُوثِ، وحدوث الخِبْرة في جانب الله عَزَّ وَجلَّ مُسْتحيلٌ؛ لأنَّه لم يَزَلْ ولا يزال خبيرًا.
إذن نقول: إنَّه يتعَيَّنُ أن نجعل {لَخَبِيرٌ} صِفةً مُشَبَّهَة؛ لأنَّنا لو جعلناها صيغَةَ

الصفحة 220