كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الآية (٣٢)
* * *

* قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: ٣٢].
* * *

كَلِمَة (أَوْرَثَ) هنا نَصَبت مَفْعولَينِ ليس أَصْلُهما المُبْتَدَأَ والخَبَر، وعلى هذا فهي من باب (كسا وأعطى)، والمَفْعولُ الأَوَّل هو {الَّذِينَ} والثاني هو {الْكِتَابَ} فليس الكِتَابُ وارثًا لـ {الَّذِينَ} بل {الَّذِينَ} هم الذين وَرِثُوا الكِتَاب، يعني: أَوْرَثْنا الذين اصطفينا من عبادنا الكِتَابَ، ومَعْنى أورثناهم إياه؛ أي: جَعَلْناهم يَرِثُونَه؛ فالذين اصطفاهم الله أَوْرَثَهُم الله الكِتَاب؛ أي: جَعَلَهُم يَرِثونه.
وكَلِمَة {الْكِتَابَ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [القُرْآن] ويَنْبَغي أن نجعله أَعَمَّ؛ لأنَّنا لو قلنا: (إنَّ الكِتَاب هو القُرْآن)، وقلنا: إنَّه مَوْروثٌ عمَّن سَبَقَنا لكان القُرْآن قد نزل على من سَبَقَنا، وليس الأَمْر كذلك؛ فالمُرَادُ بالكِتَاب هنا الجِنْس، لا خصوصُ القُرْآنِ؛ يعني أنَّ الكُتُب السَّابِقَة كُلُّ ما فيها من الخَيْرِ موجودٌ في القُرْآن، فنحن وَرِثْنا عمَّن سبقنا كلَّ ما أُوتوه من خَيْرٍ، فالأُصُولُ التي تجب على كل مُسْلِمٍ في أيِّ مكانٍ وزمان موجودَةٌ في القُرْآن، والشَّرائِعُ التي تَخْتَلِف باختلافِ الأُمَم وباخْتِلافِ الزَّمانِ والمَكانِ هذه تَخْتَلِفُ عمَّن سبق؛ قد يَجِبُ علينا ما لا يَجِبُ عليهم، وقد يُحَرَّم علينا

الصفحة 223