كتاب تفسير العثيمين: فاطر

ما لا يُحَرَّمُ عليه؛ قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨]، أمَّا الأُصُولُ فقد وَرِثْناها عنهم، فالأصول التي هي أمُّ الدِّينِ قد وَرِثْناها عمَّن سَبَقَنا.
قَوْله تعالى: {الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}.
{الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} أي: اخْتَرْنا، وهو مَأْخوذٌ من الصَّفْوَة، وأصله (اصْتَفَيْنا) لكن لِعِلَّةٍ تَصْرِيفِيَّةٍ قُلِبَتِ التاءُ طاءً، فقيل: (اصطفينا من عبادنا)؛ أي: اخْتَرْناهم.
وَقَوْله تعالى: {مِنْ عِبَادِنَا} هل المُرَادُ بذلك العُبُودِيَّةُ العامَّةُ أو الخاصَّة؟ يعني الذين اصْطَفَيْناهم من المُؤْمِنينَ، أو اصْطَفَيْناهُم مِنْ جَميعِ العباد؟
الذي يظهر أنَّها من العُبُودِيَّة العامَّة؛ يعني: الذين اختارهم الله تعالى من عباده الذين يَخْضَعون له كَوْنًا، والمُرَاد بهم هذه الأُمَّة، بدليل قَوْله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠] فالذين اصْطَفَاهم الله من عباده هم هذه الأُمَّةِ للآيَةِ التي سُقناها وهي في آل عمران، ولدليلٍ آخَرَ من هذه الآيَةِ نَفْسِها؛ لأنَّ هذه الأُمَّةَ هي آخِرُ الأُمَم، إذن فلا يُمْكِن أن يُورَثَ ما عندها من الكِتَاب، فهي وارِثَةٌ غَيْر موروثة، وإذا كانت وارِثَةً غَيْر مَوْروثة فهي التي اصْطُفِيَت.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} بالتَّقْصيرِ في العَمَلِ به]؛ أي: بالكِتَابِ {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} يَعْمَلُ به أَغْلَبَ الأَوْقاتِ {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} يَضُمُّ إلى العَمَل التَّعْليمَ والإِرْشادَ إلى العَمَلِ {بِإِذْنِ اللَّهِ} بإرادته].
قسَّم الله تعالى هذه الأُمَّة التي أورثها الكِتَابَ إلى ثلاثة أقسام، وبدأ بالأقل في المَرْتَبَة فالأَقَلِّ، فقال تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ}.

الصفحة 224