كتاب تفسير العثيمين: فاطر

فالظَّالِم لِنَفْسِه هو الذي ترك شيئًا من الواجِباتِ أو فَعَلَ شيئًا من المُحَرَّمات؛ ترك صلاةَ الجَماعَةِ مع وُجُوبِها عليه، تَرَكَ بَعْضَ الزَّكاة لم يُخْرِجْه، ترك الحَجَّ على الفَوْر مع وُجُوبه عليه على الفَوْرِ، هذا نقول: إنَّه ظالِمٌ لِنَفْسِه؛ فَعَلَ المُحَرَّماتِ، شَرِبَ الخَمْرَ، زنا، سَرَقَ، نظر نَظَرًا مُحَرَّمًا، هذا نقول: إنَّه ظالِمٌ لنفسه.
ومَعْنى الظَّالِم في الأَصْل هو النَّاقِصُ؛ لأنَّ الظُّلْمَ هو النَّقْص، قال الله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: ٣٣]؛ يعني: لم تَنْقُص، وكلُّ من أساء فقد نقص فيما يَجِبُ عليه؛ ولهذا كل عَمَلٍ سَيِّئ يُعْتَبَرُ نقصًا فيما يَجِبُ عليك؛ لأنَّ الواجِبَ عليك لِنَفْسِك أن ترعاها حَقَّ رِعايَتِها، فأنت مَسْؤُولٌ أَوَّلَ ما تُسْأَلُ عن نَفْسِكَ، قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لأَهْلِك عليك حقًّا" (¬١)، فبدأ بالنَّفْس، فكما يَجِبُ عليك أن ترعى مصَالِحَ وَلَدِك، ومالِك، وأَهْلِك، يَجِبُ عليك أن ترعى مَصْلَحَة نَفْسِك، بل هو الواجِبُ الأَوَّل من حقوق المَخْلوقينَ بعد حَقِّ الله ورسوله.
إذن: مَن فَعَل مُحَرَّمًا فقد ظَلَمَ نفسه؛ لأنَّه نَقَصَها حَقَّها في الأَمانَةِ، أنت مُؤْتَمَنٌ عليها يَجِبُ أن ترعاها حَقَّ رعايتها، ومن ترك واجِبًا فقد ظلم نَفْسَه؛ لأنَّ الواجِبَ عليه أن يفعل الواجِبَ ليقوم بحَقِّ الأَمانَة فيما يَتَعَلَّق في نفسه، هذا الظَّالِم لِنَفْسِه.
{وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد} المُقْتَصِدُ هو الذي لم يَقَعْ منه ظُلْمٌ لِنَفْسِهِ ولا تَقَدُّمٌ في الخَيْرِ؛ أي: قائمٌ بالواجِباتِ تارِكٌ للمُحَرَّماتِ، لَكِنَّه لا يُكْثِرُ من النَّوافِلِ، ولا يَحْرِصُ على
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الصوم، باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، رقم (١٩٦٨)، من حديث أبى جحيفة - رضي الله عنه -، وأخرجه البخاري: كتاب التهجد، رقم (١١٥٣)، ومسلم: كتاب الصيام، باب النهي عن صيام الدهر، رقم (١١٥٩)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.

الصفحة 225