كتاب تفسير العثيمين: فاطر

إِكمالِ الواجِباتِ على الوَجْهِ الأَكْمَل، ولا يتَجنَّبُ المَكْروهاتِ، فهو مُقْتَصِدٌ، لا نَقَصَ ولا زَادَ.
يُصَلِّي مع الجماعَةِ، ويُزَكِّي بدون نَقْصٍ، لكن لا يأتي بالنَّوافِل ولا بِصَدَقَةِ التَّطَوُّع، يؤَدِّي فريضة الحَجِّ لكن لا يعود، يَصومُ رَمَضانَ لكن لا يصوم نَفْلًا، وهكذا، يؤدي ما عليه من المُعامَلاتِ بين النَّاسِ على الوَجْهِ الواجِبِ فقط، لا يتسامَحُ عن فقيرٍ، ولا يُنْزِلُ من قِيمَةٍ أو ثَمَن، لَكِنَّه ماشٍ على ما يَجِبُ عليه، نقول: هذا مُقْتَصِدٌ، هذا لا له ولا عَلَيْه؛ يعني: ليس له ثَوابٌ إلا ثوابُ فِعْلِ الواجِبِ فقط.
{سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} هذا يأتي بالواجِباتِ ويَزيدُ ما شاء الله تعالى من الخَيراتِ، ويأتي بالواجباتِ أيضًا على الوجه الأَكْمَلِ الأَتَمِّ؛ فالصَّلاة مثلًا لا يَقْتَصِرُ فيها على تَسبيحَةٍ واحِدَة بل يزيدُ، لا يَقْتَصِرُ على الفاتِحَة بل يزيد، لا يَقْتَصِرُ على أن يضع يديه مثلًا مُطْلَقَةً هكذا، بل يضعها في مَوْضِعِها في حالِ القيامِ، وفي حالِ الرُّكوعِ، وفي حالِ السُّجود، وهكذا.
نقول: هذا سابقٌ بالخَيْرات، يؤدِّي الزَّكاةَ ويتَصَدَّق، يَحُجُّ الواجِبَ ويَتَطَوَّع، يَصومُ رَمَضانَ ويَتَنَفَّل بِغَيْره من الصِّيامِ، هذا نقول: إنَّه سابِقٌ بالخَيْراتِ.
أما قَوْلُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ مَعْنى [{سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} يَضُمُّ إلى العَمَل التَّعْليمَ والإِرْشادَ إلى العَمَل] ففي هذا نَظَرٌ ظاهِر؛ لأنَّ التعليم قد يكون واجِبًا، وإذا قام بالتَّعْليمِ الواجِبِ صار من المُقْتَصِد، وإن تركه صار من الظَّالِم لِنَفْسِه، وكذلك نقول في الإرشادِ: الإِرْشادُ الواجِبُ إذا قام به صار مُقْتَصِدًا، وإن تركه صار ظالِمًا لِنَفْسِه، ولكن ما قلنا هو الصَّوابُ.
واختلفَ المُفَسِّرون في هذه الآيَةِ؛ فمنهم من يقول: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ}

الصفحة 226