كتاب تفسير العثيمين: فاطر

كالمانِعِ للزَّكاةِ {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} كالمُقْتَصِر عليها {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} كالزَّائِد عليها.
وآخَرُ يقول: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} مُؤَخِّرٌ للصَّلاةِ عن وَقْتِها {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد} فاعِلٌ لَها في وَقْتِها، {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} فاعِلُها في أوَّلِ وَقْتِها؛ أي: في الوقت الذي يُسْتَحَبُّ أن تقام فيه، فهل بين القَوْلَيْنِ خِلافٍ؟
الجواب: لا، ليس بينهما خلاف، هذا يُسَمَّى اختلافَ تَنَوُّعٍ؛ يعني أنَّ كل واحدٍ من القائلِينَ ذَكَرَ نَوْعًا، فيكون هذا على سبيل التَّمْثيلِ، ولا يُعَدُّ هذا خلافًا في الواقِعِ، ولَكِنَّه تَمْثيلٍ، هذا مَثَّل بالزَّكاة، وهذا مَثَّل بالصَّلاة.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{بِإِذْنِ اللَّهِ} بإرادَتِهِ] لكن هل المُرَاد الكَوْنِيَّةُ أو الشَّرْعِيَّةُ؟
الظَّاهِر أنَّنا نُغَلِّبُ هنا الكَوْنِيَّة؛ يعني أنَّ هذه الأَقْسامَ الثلاثة: الظالِم، والمُقْتَصِد، والسَّابِق، كُلُّهم يفعلون هذا بإذن الله، فالله تعالى هو الذي أَذِنَ للظَّالم نَفْسَه أن يَظْلِمَ نَفسَه، وللمُقْتَصِد أن يَقْتَصِر على ما يَجِبُ، وللسَّابق أن يزيد.
وتقييدُ هذا بإذن الله؛ لئلَّا يَفْتَخِرَ مفتخرٌ بكونه سابقًا بالخَيْراتِ، فيُضيفَ الشَّيْءَ إلى نَفْسِه، ويَمُنَّ به على رَبِّه، كما قال الله تعالى عن بعض بني آدم: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: ١٧].
فأنت إذا منَّ اللهُ عليك بِسَبْقٍ في الخَيْراتِ لا تَظُنَّ أنَّ هذا من نَفْسِك، لو وُكِلْتَ إلى نَفْسِك لكُنْتَ ظالِمًا لِنَفْسِك؛ لِقَوْلِه تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}

الصفحة 227