كتاب تفسير العثيمين: فاطر

[الأحزاب: ٧٢] هذه حَقيقَةُ الإِنْسَانِ: الظُّلم والجهالَة، لكن مَنْ مَنَّ الله عليه وهَداه فهو مِن فَضْلِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قَوْله تعالى: {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{ذَلِكَ} أي: إِرْثُهُم الكِتَابَ {هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير}].
صدق الله، الفَضْلُ الكبيرُ الذي لا يُدانيهِ فَضْلٌ هو مِنَّةُ الله على عبده بالعِلْم بهذا الكِتَابِ، هذا هو الفَضْلُ الكَبيرُ، ليس الفَضْلُ الكبير بأن يُعطَى الإِنْسَانُ قُصُورًا أو مَراكِبَ فَخْمَةً أو زوجاتٍ حِسَانٍ أو أبناءً كثيرين، لا، الفَضْلُ الكبير أن يُورَثَ هذا الكِتَابَ، كُلُّ من وَرِثَ هذا الكِتَاب علمًا وعَمَلًا ودَعْوَةً فهو الذي حاز الفَضْلَ الكَبيرَ، قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: ٥٨].
وفي قَوْله تعالى: {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ} فيها أداةُ حَصْر، وهو ضميرُ الفَصْل، وضميرُ الفَصْلِ هو ضميرٌ يأتِي مطابقًا للسِّياقِ، يأتي بِصورَة الغائِبِ كـ (هو)، وبِصورَةِ المُخاطَب كـ (أنت)، وبصورة المُتَكَلِّمِ كـ (أنا)، قال الله تعالى: {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} [الحجر: ٨٩] هذا أتى بصيغة المُتَكَلِّم، وتقول لمن تخاطبه: (إنَّك أنت القائِلُ) ومنه قَوْله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: ٤٩] هذا في صِيغَة المخاطب، وفي صيغة الغائِب كثير، منه هذه الآيَة: {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}.
إذن: فضميرُ الفَصْل ضميرٌ يؤتَى به مطابقًا للسِّياقِ من حيث التَّكَلُّمُ والخِطابُ والغَيْبَةُ، وهو من حيثُ الإِعْرابُ لا مَحَلَّ له.

الصفحة 228