كتاب تفسير العثيمين: فاطر

قَوْله تعالى: {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} أي: فلا أحد يُمْسِكُها، بل سَتَصِلُ إلى مَن فَتَحَها الله تعالى له، ولا يَرُدُّها أحد، كما جاء في الحديث الصَّحيحِ؛ أنَّ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - بعد أن يَرْفَعَ من الرُّكوعِ كان يقول: "اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ" (¬١) ويقَوْلُهُ كذلك بعد الصَّلاة (¬٢)، وقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله ابن عباس: "وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَم يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ... " (¬٣).
فلا أحد يَسْتَطِيعُ أن يُمْسِكَ رَحْمَةَ الله مهما عَمِلَ، حتى لو حاول الحَسَدَ والتَّشْوِيهَ ومَنْعَ الرِّزْق لا يَسْتَطِيعُ، إذا فتح الله الرَّحْمَة للعَبْدِ فلا أحد يَسْتَطِيعُ أن يَحُولَ بينه وبينها؛ ولهذا جاءتْ: {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}.
و(لا): نافيةٌ للجِنْس، وهي أنَصُّ شَيْء على العُمومِ؛ ولهذا عُمومُ لا النافِيَةِ للجِنْسِ لا تَخْصيصَ فيه أَبَدًا.
والضَّميرُ في {لَهَا} يعود على الرَّحْمَةِ.
وَقَوْله تعالى: {وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ} لعلَّكَ تتوقَّع أن يكون نَصُّ الآيَة الكريمَةِ (وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهَا)؛ لأنَّ الكَلَام الآن في الرَّحْمَة وهو في الجُمْلَة الأولى قال: {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} فيَقْتَضي أن تكون الجُمْلَةُ الثانية كالأُولى؛ أي: (وَمَا
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، رقم (٤٧٨)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(¬٢) أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، رقم (٨٤٤)، وأخرجه مسلم: كتاب المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، رقم (٥٩٣)، من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -.
(¬٣) أخرجه الإمام أحمد (١/ ٢٩٣)، والترمذي: كتاب صفة القيامة، رقم (٢٥١٦).

الصفحة 25