كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الرَّجاءُ أَمِنَ الإِنْسَانُ مِن مَكْرِ الله وإن غَلَبَ الخَوْف قَنِطَ من رَحْمَة الله، فيكون خَوْفُه ورجاؤه واحِدًا.
قالوا: فالخَوْفُ والرَّجاءُ كالجَناحَيْنِ للطَّائِرِ إن هَبَطَ أَحَدُهما مال الطَّائِر إليه واخْتَلَّ تَوازُنُه، وإن تساويا استقامَ الطَّائِرُ واستقام واعْتَدَل توازُنُه.
وقال بعض أَهْل العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ: بل هذا يَخْتَلِفُ باختلاف الأَحْوالِ؛ فإذا فعل الإِنْسَان الطَّاعَةَ فَلْيُغَلِّبِ الرَّجاءَ، وأنَّ الذي وفَّقَه لها سوف يَقْبَلُها منه ويُثيبُه عليها؛ كما قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠] فإذا وُفِّقْتَ للدُّعَاء وُفِّقْتَ للإجابة، وإذا وُفِّقْتَ للعَمَلِ وُفِّقْتَ للقَبُولِ.
وإذا عَمِلَ المَعْصِيَة فلْيُغَلِّبْ جانِبَ الخَوْف ولْيَرْجِعْ إلى ربِّهِ؛ لأنَّه إن غَلَّبَ جانِبَ الرَّجاءِ بعد فِعْلِ المَعْصِيَة فلا يتوبُ منها، ويقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] ويقول الله غفورٌ رحيمٌ وما أشبه ذلك، فيكون تَغْليبُ الرَّجاءِ في حالٍ، وتَغْليبُ الخَوْفِ في حالٍ أخرى.
وقال بعض العُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ: يُغَلِّبُ الخَوْفَ في حال، والرَّجاءَ في حال، لكن لا باعتبارِ العَمَلِ بل باعتبارِ الحال، فإذا كان مَريضًا فلْيُغَلِّبْ جانِبَ الرَّجاءِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ" (¬١)، وإن كان صَحيحًا فلْيُغَلِّبْ جانِبَ الخَوْف.
والمناسَبَةُ قالوا: لأنَّ المريضَ تَضْعُفُ نَفْسُهُ وتَنْكَسِرُ وليس يَميلُ إلى الدُّنْيا ولَكِنَّه يَهتَمُّ بما أمامه فلْيُغَلِّبْ جانب الرَّجاء، ليس هناك نفسٌ تتَطَلَّعُ إلى الدُّنْيا
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت، رقم (٢٨٧٧)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.

الصفحة 254