كتاب تفسير العثيمين: فاطر

وتَنْغَمِسُ في التَّرَفِ بل نَفْسُه قد رَقَّتْ وآوَتْ إلى الآخِرَة، وأمَّا إذا كان صحيحًا فإنَّ النَّفْس الآن فيها شِرَّةٌ وتَطَلُّعٌ للدُّنيا وإترافِها؛ فيُغَلِّبُ جانب الخَوْفِ.
على كُلِّ حالٍ: يُمْكِن أن نقول: إذا وُجِدَتْ أَسْبَابٌ يخافُ الإِنْسَان على نَفسه من تغليب جانِبِ الرَّجاءِ فليُقَدِّمِ الخَوْفَ، وإن وُجِدَتْ أَسْبَاب تَقْتَضي أن يخافَ الإِنْسَانُ ويَيْأَسَ من رَحْمَة الله فلْيُغَلِّبْ جانِبَ الرَّجاء؛ يعني إذا فعل أَسْبَابَ الرَّجاء فلْيُغَلِّبِ الرَّجاءَ، وإذا وُجِدَتْ أَسْبَابُ الخَوْفِ فلْيُغَلِّبْ جانِبَ الخَوْفِ.
وقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} فهنا قال: {لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} فأتى أولًا بالمُبْتَدَأِ ثُمَّ أتى بمُبْتَدَأٍ وخَبَرٍ آخر، وهذا يفيدُ التَّوْكيدَ؛ فهو أشَدُّ توكيدًا من مِثْلِ قَوْله تعالى: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الملك: ٦] لما قال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} بَقِيَ الذِّهْنُ مُتَشَوِّفًا مُتَطَلِّعًا إلى الخَبَرِ: ما الذي يكون لهؤلاء؟ قال: {لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} أعوذ بالله! يعني ليس لهم إلا ذلك: نارُ جَهَنَّم.
وهذا من بابِ إِضافَةِ المَوْصوفِ إلى صِفَتِهِ؛ لأنَّ النَّار يُعَبَّرُ عنها بالنَّار وَحْدَها أحيانًا: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: ١٣١] , وأحيانًا يُعَبَّر بجَهَنَّم عن النَّارِ مِثْل: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة: ٨] , وَقَوْله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [البيِّنة: ٦] مثل هذا مُضافَة، وأحيانًا تضاف النَّار إلى جَهَنَّمَ؛ وحينَئذٍ يقع الإِنْسَانُ في إشكالٍ؛ يقول: كيف يضاف الشَّيْء إلى ذاتِهِ أو إلى نَفْسِه؛ فالنَّار هي جَهَنَّمُ وجَهَنَّمُ هي النَّار؟
ونقول: إضافَتُها هنا من باب إضافَةِ المَوْصوفِ إلى صِفَتِه؛ ولهذا لا يقال جَهَنَّمُ نار، ولكن يُقالُ: نار جَهَنَّم؛ فجَهَنَّمُ عَلَمٌ من باب اللَّقَبِ، ومَعْلومٌ أنَّ العَلَمَ اسْمٌ وكُنْيَةٌ ولَقَبٌ، فجَهَنَّم اسْمٌ عَلَمٌ، لَكِنَّه من باب اللَّقَب، والعَلَمُ اللَّقَبُ بِمَنْزِلَة الصِّفَةِ؛

الصفحة 255