كتاب تفسير العثيمين: فاطر

يعني: بِمَنْزِلَةِ النَّعْتِ؛ لأنَّ اللَّقَبَ عندما أَشْعَرَ بِمَدْحٍ أو ذَمٍّ، وبناءً على ذلك يَتَبَيَّنُ أنَّ مثل هذا التَّركيب (نار جَهَنَّم) من باب إضافَةِ المَوْصوفِ إلى صِفَتِه، فالنَّار هي هذا الجَوْهَرُ الحارُّ المَعْروف، وجَهَنَّمُ أَصْلُهَا من الجَهْمَةِ وهي الظُّلْمَةُ لِبُعْدِ قَعْرِها وخُلُوِّها من النُّور.
ومن هنا نَعْرِفُ أنَّ هذا الإسْم فيه شَيْءٌ من الإشْتِقاقِ فيكون دالًّا على وَصْفٍ.
قوله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ} بالمَوْتِ {فَيَمُوتُوا} يَسْتَريحوا]؛ قال الله تعالى في ذلك {فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: ٢٣] فلا هو مَيِّتٌ فَيَسْتَريحَ ولا حيٌّ حياةً يتَنَعَّمُ فيها، بل هو في شقاءٍ دائم، يَتَمَنَّونَ المَوْتَ ولكن لا يَحْصُلُ لهم؛ قال تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: ٧٧].
فهنا يقول: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} أي: لا يُقْضَى عليهم بالمَوْتِ فَيَموتوا ويَسْتريحوا، والفاءُ في قَوْله تعالى: {فَيَمُوتُوا} فاءُ السَّبَبِيَّة، والفِعْلُ بعدها منصوب بِحَذْفِ النون والواو فاعِلٌ؛ لوقوعه بعد النَّفْي الكائِنِ في قَوْله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ}.
قال تعالى: {وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} طَرْفَةَ عَيْنٍ] فهم في عذابٍ مُسْتَمِرٍّ لا يَسْتريحونَ منه لا بِمَوْتٍ ولا بِنَوْمٍ ولا بِتَخْفيفٍ، والعياذ بالله!
قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} [غافر: ٤٩] فانظُرِ الذُّلَّ، والعياذُ بالله {ادْعُوا رَبَّكُمْ} كأنَّهم آيِسونَ أن يَدْعوا الله؛ لأنَّ الله تعالى قد قال لهم: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المُؤْمِنون: ١٠٨] ,

الصفحة 256