كتاب تفسير العثيمين: فاطر

فيَطْلبونَ الوَسائِطَ: ادعوا ربَّكُم، ثم هذا دُعَاءُ اسْتِجْداء ضَعيف؛ فقالوا: يُخَفِّف، ولم يقولوا: يَمْنَع فطَلَبوا التَّخْفيفَ يَوْمًا ولم يقولوا دائِمًا، فهنا يَظْهَرُ أَثَرُ الضَّعْفِ عليهم والذُّلِّ والهوانِ من ثلاثة وجوه:
أولًا: أنَّهم طَلَبوا الشُّفَعاء فلا يَسْتَطِيعونَ أن يَتَكَلَّموا.
ثانيًا: طَلَبوا التَّخفيفَ دونَ المَنْعِ النِّهائِيِّ.
ثالثًا: أنَّهم طلبوا ذلك يومًا من الأَيَّامِ لا دائِمًا.
وتُجيبُهُم المَلائِكَةُ بالتَّوْبيخِ، والعياذ بالله؛ قال تعالى: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر: ٥٠].
فهم لا يُقْضى عليهم فيَموتوا، ولا تُجابُ دَعْوَتُهم بذلك ولا يُخَفَّفُ عنهم من عذابِها ولا يومًا واحدًا؛ لأنَّهم قد أُنْذِروا وقامَتْ عليهم الحُجَّة من كُلِّ وَجْهٍ.
قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ} كَما جَزَيْناهُم {نَجْزِي كُلَّ كَفُور} كافِرٍ؛ بالياءِ والنون المَفْتوحَة مع كَسْرِ الزَّايِ ونَصْبِ {كُلَّ}].
المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أَجْمَلَ في بيان هاتَيْنِ القِراءَتَينِ إجمالًا مُخِلًّا؛ فالقراءتان {كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} بالنونِ المَفْتوحَةِ والزَّايِ المَكْسورَةِ ونَصْبِ {كُلَّ} ووَجْهُ هذه القِراءَةِ ظاهِرٌ بأنَّ {نَجْزِي} فِعْلٌ مضارِعٌ، وفاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ و {كُلَّ} مفعولٌ به.
القِراءَة الثانية: (يُجْزَى كُلُّ كَفُورٍ) وصَنيعُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ لا يُؤَدِّي هذا المَعْنى، بل ظاهِرُهُ أنَّ (كُلَّ) منصوبة على القِراءَتَيْنِ، وأيضًا ظاهِرُهُ أنَّ الزَّايَ مَكْسورَةٌ على القِراءَتْينِ وأنَّ الياءَ مَفْتوحَةٌ على القِراءَتَيْنِ.

الصفحة 257