كتاب تفسير العثيمين: فاطر

يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهَا) هكذا تتوقَّعُ، ولكن ليس الأمر كذلك.
لأنَّ قَوْله تعالى: {وَمَا يُمْسِكْ} لم يُخَصَّصْ بالرَّحْمَة حتى نَقولَ: إنَّ المُتَوَقَّع أن يقول: (فَلَا مُرْسِلَ لَهَا) بل قال: {وَمَا يُمْسِكْ} وحَذَفَ المُتَعَلَّق لِيُفيدَ العُمومَ؛ أي: (وما يُمْسِكْ من رَحْمَةٍ وما يُمْسِك من شَرٍّ فلا مرسل له) حتى الضَّرَر الذي يُمْسِكُه الله عَزَّ وَجَلَّ لا أحد يرسله إليك، حتى الرَّحْمَة التي أَمْسَكَها الله عنك لا يُمْكِنُ أن يُرْسِلَها أحدٌ إليك.
ولهذا يسعى الإِنْسَانُ أحيانًا إلى ما يراه من رَحْمَةِ الله مِن رِزْقٍ أو غَيْرِه، ثم يَحُول القَدَرُ بينه وبينه، يتعَرَّضُ الإِنْسَان أحيانًا لأخطارٍ ولكن يَسْلَمُ منها، قد يَحْصُل للسَّيَّارة انقلابٌ أو تصادمٌ، فيموت أناسٌ أقوى مِنْكَ أجسامًا، وأقوى منك مَنَعَةً، وتبقى أنت.
إذن: أمسك الله عنك الضَّرَر، ولولا هذا الإِمْساكُ لَهَلَكْتَ فيمن هلك.
إذن نقول: (ما يُمْسِكْ فلا مُرْسِلَ له) أي: لِمَا أَمْسَكَهُ، فعاد الضَّميرُ في {فَلَا مُرْسِلَ لَهُ} على لفْظِ {وَمَا} ولفظ {وَمَا} مُذَكَّرٌ، بخلافه في الأَوَّل، فعاد على {رَحْمَةٍ} لأنَّها مُؤَنَّث.
الآن تبيَّنَ لنا: أنَّ السِّياقَ على أتَمِّ ما يكون من البلاغَةِ، وأنَّ ما كنا نتوقَّعُه من أن يقال: (فلا مُرْسِلَ لها) ليس على ما نتوقَّع؛ لأنَّ قَوْله: {وَمَا يُمْسِكْ} لا يعني الرَّحْمَةَ، إذن هو عامٌّ؛ ولهذا نقول: إنَّ قَوْلَ المُفَسِّر رَحِمَهُ الله: [وما يُمْسِكْ من ذلك] فيه قُصورٌ؛ لأنَّ قَوْله: (من ذلك) يعود إلى الرَّحْمَة، ولكن نقول: (وما يُمْسِكْ من ذلك وغَيْرِه).
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ الله: [{فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} أي: بعد إِمْساكِهِ]، وهذا لا شكَّ

الصفحة 26