كتاب تفسير العثيمين: فاطر

وكانوا في الدُّنْيا يَسْتَغيثونَ بِمَنْ؟
بِغير الله؛ بأَصْنَامِهِم وما يعبدونَ من دون الله، أمَّا الآن فقد عَرَفُوا أنَّه لا يُمْكِنُ أن يُنْجِيهُم مِمَّا هم فيه إلا اللهُ.
وَقَوْلهم: {أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ} أتَتْ {نَعْمَلْ} بالجَزْمِ؛ لأنَّها جوابٌ للطَّلَبِ في قَوْله تعالى: {أَخْرِجْنَا} وإذا كان جوابًا للطَّلَبِ كان كالشَّرْطِ المُقَدَّرِ: أَخْرِجْنا إِنْ تُخْرِجْنا {نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} هكذا يقولون: رَبَّنا أَخْرِجْنا يعني من النَّارِ نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْر الذي كنا نعمل، ولكن هذا القَوْلَ ليسَ بِصَحيحٍ؛ لأنَّ الله يقول: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: ٢٨] , وهذا كَلَامُ الله عَزَّ وَجَلَّ العالِمِ بما سيكون لو أَخْرَجَهُم.
فهؤلاء يقولون ذلك من باب الإعْتِذارِ وإلا فَقُلُوبُهُم خارِبَةٌ، خَرِبَتْ بالأَوَّلِ وسَتَخْرَب في الثاني، فإذا نَجَوْا من النَّار عادوا إلى ما كانوا عليه.
وقال الله تعالى عنهم: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} الأولى نَعْمَلْ: مَجْزومةٌ على أنَّها جوابُ الطّلَبِ، والثَّانِيَة مَرْفوعَةٌ لِتَجَرُّدِها من النَّاصِبِ والجازِمِ.
وَقَوْله تعالى: {غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} ما الذي كانوا يعملون؟
كانوا يعملون عملًا سيِّئًا؛ لأنَّهم يُشْرِكون بالله عَزَّ وَجَلَّ ويَسْتكْبِرون عن عبادته، ولو رُدُّوا لعادوا إلى ما كانوا عليه من قَبْلُ، ولهذا قيل لهم: [{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا} أي وقْتًا {يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} الرَّسُولُ، فما أَجَبْتُمْ].
يقال لهم تَوْبيخًا وتنديمًا وإقامةً للحُجَّةِ: أولَمْ نُعَمِّرْكم، فمَنِ القائل؟

الصفحة 262