كتاب تفسير العثيمين: فاطر

وَقَوْله تعالى: {فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} ذوقوا: الأَمْرُ هنا للإهانَةِ، ومفعول ذوقوا مَحْذُوفٌ، التَّقْدير: ذوقوا عَذابَكُم أو ذوقوا عاقِبَة تَكْذيبِكُمْ.
وَقَوْله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ} الكافرينَ {مِنْ نَصِيرٍ} يدفع العَذاب عَنْهُم].
(ما للظالمين من نَصيرٍ) الجُمْلَةُ مُكَونة من مُبْتَدَأ وخَبَر، والخَبر {لِلظَّالِمِينَ} والمُبتَدَأُ {نَصِيرٍ} ودخلَتْ عليهم {مِنْ} الزَّائِدَةِ لتَوْكيدِ النَّفْيِ، و (ما) هنا لا تَعْمَلُ عمل لَيْسَ؛ لِتَقَدُّم الخبر، وهي لا تعمل عمل لَيْسَ إلا مع التَّرْتيبِ، فنقول مثلًا: ما زيدٌ قائِمًا، ولو قلت: ما في الدارِ زيدٌ، فهذا صحيح، لكن لا نَجْعَلُ (في الدار) في محَلِّ نَصْبٍ؛ لِتَقَدُّمِ الخَبَرِ.
قال تعالى: {فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [يَدْفَعُ العَذابَ عنهم] والنصير بمَعْنى النَّاصِر، والنَّاصِرُ هو المانِعُ من الشَّرِّ، المُعينُ على الخَيْرِ، فكُلُّ من مَنَعَ الشَّرَّ عنك فهو ناصِرٌ لك، وكُلُّ من أعانك على الخَيْر فهو ناصِرٌ لك.
ويدل لهذا قَوْلُ رسول الله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أو مَظْلُومًا" قالوا: يا رسولَ الله، هذا المظلومُ - يعني: نَصْرُ المَظْلومِ بِدَفْعِ الشَّرِّ عنه - فكيف نَصْرُ الظَّالِمِ؟ قال: "تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ" (¬١).
ومَنْعُ الظَّالِمِ من الظُّلْم ليس خَيْرًا إليه، لكِن هو مَنْعُهُ من الشَّرِّ، فالنَّصْرُ إذن: إمَّا أن يكون بِجَلْبِ خَيْرٍ، وإمَّا أن يكون بِدَفْعِ شَرٍّ.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب المظالم، باب أعن أخاك ظالمًا أو مظلومًا، رقم (٢٤٤٤)، من حديث أنس - رضي الله عنه -، بلفظ: "تأخذ فوق يديه".

الصفحة 265