كتاب تفسير العثيمين: فاطر

أنَّه احتمال، وأنَّه يُحْتَمَل أن يكون الضَّميرُ راجعًا إلى إمساك المُسْتَفادِ من قَوْله تعالى: {يُمْسِكْ}.
فإذا قيل: هل لهذا نظير؛ أن يعودَ الضَّميرُ على المَصْدَر المفهومِ من الفِعْل قبله؛ لأنَّ مِنَ المعلومِ أنَّ مَرْجِعَ الضَّميرِ لا بُدَّ أن يكون اسْمًا مذكورًا مطابِقًا قبل أو بعد، أو مُقَدَّرًا، المُهِمُّ أنَّ مَرْجِعَ الضَّمير اسْمٌ، والإسْمُ إمَّا أن يُذْكَر بلفظه الصَّريحِ مقدَّمًا أو مُؤَخَّرًا أو مُقَدَّرًا، وإمَّا أن يُؤخَذَ من مصدرِ فعلٍ سابقٍ، هنا على كَلَام المُفَسِّر رَحِمَهُ الله {مِنْ بَعْدِهِ} أي: من بعد إمساكٍ؟
فالجوابُ: كَلِمَة (إمساك) سَبَقَتْ؛ لأن {يُمْسِكْ} فعل مَأْخوذٌ من (الإمساك).
إذن: فقد تضمَّنَ الفِعْلُ ذلك اللَّفْظَ وهو الإمساكُ، ونظيره قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨] {هُوَ}؛ أي: العَدْلُ المَفْهومُ من قَوْلِه تعالى: {اعْدِلُوا}.
والأَصْلُ في مَرْجِع الضَّمير أن يكون اسْمًا مذكورًا متقَدِّمًا مطابِقًا، وقد يتأخَّرُ، وقد يُقدَّرُ، وقد يكون مفهومًا من مَصْدَرِ فِعْلٍ سابِقٍ، كما هو في قَوْله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وكما في هذه الآيَة على تَقْديرِ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ.
وهل يُمْكِن أن يُحْتَمَل عَوْدُ الضَّميرِ على غَيْرِ (الإمساكِ)؟
الجواب: نعم، فيُحْتَمَلُ أن يعود على (الله) عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنَّه قال: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ} أي: من بعد اللهِ، وتكون كقَوْله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية: ٢٣]، ويكونُ الضَّميرُ في قَوْله تعالى:

الصفحة 27