كتاب تفسير العثيمين: فاطر

ولا عند الله بل أَطْلَقَ، فأخْسَرُ النَّاس هم الكُفَّارُ؛ خسروا - كما قلنا في التَّفْسير - أَنْفُسَهم وأَهْليهم ودنياهم وآخِرَتَهم، وشخصٌ خَسِرَ كُلَّ هذه الجهات ليس له رِبْحٌ، فأعْظَمُ النَّاس خُسْرانًا هم الكافرون.
فإذا قال قائل: هل نَسْتَعْمِلُ هنا قياسَ العَكْس؛ فنقول: إذا كان الكافِرُ أَخْسَرَ النَّاسِ، فأَرْبَحُ النَّاسِ المُؤْمِنُ؟
فالجوابُ: نعم؛ نَسْتَعْمِل هنا قياس العَكْس؛ لأنَّ قياس العَكْس جاءَتْ به السُّنَّة؛ قال النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" قالوا: يا رسول الله، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ، قال: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ " قالوا: نَعَمْ، قال: "كذلَكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ" (¬١).
فكلُّ عَمَلٍ حَلَالٍ تَسْتَغْنِي به عن حرامٍ يكون لك فيه أَجْرٌ.
إذن: المُؤْمِنُ رابِحٌ في مُقابِلِ أنَّ الكافِرَ خاسِرٌ.
وإن شِئْتَ تَلَوْنَا آيَةً صريحةً في هذا؛ قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: ١ - ٣] يعني فليسوا في خُسْرٍ بل في رِبْحٍ {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: ٣] , وتجارة المُؤْمِنين تجارةٌ رابِحَةٌ {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: ٢٩] لن تَهْلِكَ ولن تَخْسَر شيئًا.
وقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبي طَلْحَة لمَّا قال: يا رسول الله، إنَّ الله أنزل قَوْله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢] وإنَّ أَحَبَّ مالي إلِيَّ بَيْرُحاءُ،
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، رقم (١٠٠٦)، من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -.

الصفحة 276