كتاب تفسير العثيمين: فاطر

ولكن لو قال قائِلٌ: إنَّ قَوْله تعالى: {تَدْعُونَ} شامِلٌ لدُعَاءِ المَسْأَلَةِ، وهو طلب الحاجَةِ ودُعَاء العِبَادَة؛ لكان أولى لأنَّ هذه الأَصْنَامَ التي يَدْعونَها، فأحيانًا يجمعون بين الأَمْرَيْنِ فيركعون لها ويسجدون ويذبحون وينذرون وأحيانًا يدعونها دُعَاءً، وأحيانًا يجمعون بين الأَمْرَيْنِ؛ فالأَوْلَى أن نَجْعَلَ الآيَة شامِلَةً لدُعَاء المَسْأَلَة ودُعَاءِ العِبَادَة، والله أعلم.
وَقَوْله تعالى: {قُلْ} يا مُحَمَّدُ {أَرَأَيْتُمْ} والخطابُ بِقُلْ هنا خطابٌ لِمُفْرَد، وإذا جاء مِثْلُ هذا في القُرْآن فإمَّا أن يكون مِمَّا يَخْتَصُّ به الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم -، فالأَمْر فيه واضِحٌ؛ كقَوْله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشَّرح: ١]، {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} [المائدة: ٦٧]، وما أشبهها فهذا خاصٌّ بالرَّسُول.
وإذا جاء مفردًا وليس خاصًّا بالرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يعني لم يَقُمْ دليل على اختصاصه به - فهل نقولُ إنَّ الخطاب مُوَجَّهٌ لِكُلِّ من يتأتَّى خطابُهُ، أو إنَّه مُوَجَّهٌ إلى الرَّسُول وأُمَّتُه تَبَعٌ له، وإنَّما وُجِّهَ إليه وَحْدَه باعتبارِهِ الإمامَ المَتْبوعَ؟
الجواب: في هذا خلاف بين أَهْلِ العِلْمِ رَحِمَهُم اللهُ، والخلاف هنا قريبٌ مِنَ اللَّفْظِيِّ لأنَّ الكُلَّ مُتَّفِقونَ على أنَّ الحكم يَشْمَلُ الأُمَّةَ؛ إذ لا دليلَ على اختصاص الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - به، بخلافِ قَوْله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} فهذا خاصٌّ بالرَّسُول؛ لأنَّه ليس كُلُّ أَحَدٍ قد شرَحَ الله له صَدْرَه.
فهنا قَوْله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ} الخطابُ هنا لِمُفْرَد، فهل هو للرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أو لِكُلِّ من يتأتَّى خطابُه؟
قيل: إنَّه لِكُلِّ من يتأَتَّى خطابُه، وقيل: للرَّسولِ باعتباره الإمامَ، وغيرُه مِثْلُه،

الصفحة 279