كتاب تفسير العثيمين: فاطر

حتى في زَمَنِنا هذا نقول للمُشْرِكينَ: أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُم الذين تدعون من دون الله أَروني ماذا خَلَقوا مِنَ الأَرْضِ.
وسَبَقَ أنَّ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ فسَّرَ الدُّعَاء هنا بالعِبَادَة، وقلنا إنَّه تَفْسيرٌ ناقِصٌ؛ لأنَّ الدُّعَاء يكون للعِبَادَةِ ويكون للمَسْأَلَة، والمُشْرِكون أشركوا بِشُرَكائِهِم بالنَّوْعَيْنِ جميعًا؛ فقد يَدْعونَ هؤلاء الشركاء وقد يَعْبُدونَهُم.
وسبق أنَّهم يقولون إنَّ الأَصْنَام شُرَكاء لله عَزَّ وَجَلَّ؛ حتَّى إنَّ المُشْرِكين يقولون في تَلْبِيَتِهِمْ: لَبَّيْكَ لَا شَريكَ لَكَ إلا شريكًا هو لَكَ، تَمْلِكُهُ وما مَلَكَ.
يقول رَحِمَهُ اللَّهُ: [{أَرُونِي} أَخْبِروني {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} قَوْله تعالى: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} من حيث الإِعْرابُ يجوز فيها وجهانِ:
الوَجْهُ الأول: أن نُعْرِبَ (ماذا) جميعًا على أنَّها اسْمُ اسْتِفْهامٍ مَفْعولٌ مُقَدَّمٌ لـ (خلقوا).
والثاني: أن نُعْرِبَ (ما) وَحْدَها على أنَّها اسْمُ اسْتِفْهامٍ، و (ذا) بمَعْنى الذي، وعلى هذا فيكون في {خَلَقُوا} ضميرٌ مَحْذُوف هو العائِدُ لاسْم الموصولِ، والتَّقْدير: ماذا خَلَقوه من الأَرْضِ.
والمَعْنى لا يَخْتَلِفُ، فهؤلاء يُتَحَدَّوْنَ ويقال أَرونا ماذا خلقوا من الأَرْضِ؟ هل خَلقوا الجبالَ؟ هل خلقوا الأشجارَ؟ هل خلقوا الرِّمالَ والأَنْهار والبحار؟
الجواب: ما خلقوا شيئًا من هذا.
وننتقل إلى أعلى، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} وهنا ما قال: أم خَلَقُوا شيئًا من السَّمَواتِ، بل قال: أم لَهُم شِرْكٌ؛ لأنَّ السَّمَواتِ لَيْسَتْ في مُتَناوَلِ أَيديهِم،

الصفحة 280