كتاب تفسير العثيمين: فاطر

[{يَعِدُ الظَّالِمُونَ} الكافرونَ {بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا} باطِلًا لِقَوْلهِم: الأَصْنَامُ تَشْفَعُ لَهُم] يعني: أنَّ ما يَعِد الظالمون بعضُهم بَعْضًا فهو غرور، أي تغريرٌ وخِداعٌ، وليس له حَقيقَةٌ، والوَعْدُ الذي يَعِدُ به الظالمون بَعْضُهم بعضًا أنَّهم يقولون هذه الأَصْنَامُ تَشْفَعُ لكم عند الله؛ فاعبدوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -! اعْبُدوا جِبْريلَ! اعبدوا الشَّجَر! اعبدوا اللَّاتَ! اعبدوا العُزَّى! فإنَّها تَشْفَعُ لكم؛ قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: ١٨] فكيف يعبدونهم ثم يقولون شُفَعاء؟
الجواب: الشَّافِعُ دَرَجَتُه دون دَرَجَة المَشْفوعِ إليه، إذ لو كان مُساوِيًا - أو أعلى - ما احتاج أن يَشْفَع؛ فإن كان أعلى أمَر أمْرًا، وإن كان مساويًا غَالَبَه فأيُّهُما غَلَبَ تكون السُّلْطة له.
وعلى كُلِّ حالٍ نقول: إنَّ الظالمين يَغُرُّ بَعْضهم بعضًا بالباطِل حتى يَخْدعوا ويظنوا أنَّ الباطِلَ حَقٌّ وأنَّ الحَقَّ باطِل.
والتغرير: تارةً يكون بالأَقْوالِ الكاذِبَة المُلَفَّقَة التي ليس لها أَصْلٌ، وتارةً يكون بالألقاب السَّيِّئَةَ التي تُشوِّه السُّمْعَة، فأمَّا الأَقْوَالُ الكاذِبَة فمثل قَوْلهم - فيما حكى الله عنهم -: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف: ٢٨] قَوْلهم: {وَاللَّهُ أَمَرَنَا} بها هذا كذبٌ وزورٌ؛ ولهذا قال الله تعالى مُبْطلًا لهذه الدَّعوى: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} هذا من جُمْلَةِ التَّغْريرِ: أن يدَّعُوا قَوْلًا كَذِبًا وزُورًا.
أو بالأَلْقابِ السَّيِّئَةَ، قال تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: ٤ - ٥] فأَتَوْا بالأَلْقابِ

الصفحة 282