كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّه لا أَحَد يَخْلُقُ مع الله {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ}؛ فإن قلت: يَرِدُ عليك أنَّ الله أَثْبَتَ أنَّ هناك خالقينَ في قَوْلِه تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المُؤْمِنون: ١٤] وفي قَوْلِ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم -: "يُقَالُ لهَمْ - أيِ المُصَوِّرينَ - أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ" (¬١)؟
فالجواب: أنَّهم لم يَخْلُقُوا هذا، ولكن حَوَّلُوهُ مِنْ صُورَةٍ إِلى صُورَةٍ، فهنا ليس منهم إيجادٌ، بل تَحْويلٌ من صورةٍ إلى صورةٍ، فالمُصَوِّر مثلًا الذي أخذ الطِّينَ وجعل منه صورةً على صُورةِ إِنْسَانٍ أو صورةِ طَيْرٍ أو صورةِ دابَّةٍ؛ ما خلق هذا الشَّيْءَ لكن حَوَّلَه من كَوْنِه كُتْلَةً من الطِّينِ إلى كَوْنِه صورةً وليس خَلْقًا جديدًا.
وكذلك النَّجَّار مثلًا إذا أتى على الخَشَبِ ونَجَرَه على صورة مُعَيَّنة لا نقول إنَّه خَلَقَه لأَنَّه لم يُوجِدْه، لَكِنَّه حوَّلَه من صورَةٍ إلى أخرى.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: بُطْلان أُلُوهِيَّةِ هذه الأَصْنَامِ ومن باب أولى رُبُوبِيَّتِها؛ وَجْهُ هذا: أنَّ الله تَحَدَّى أن تكون هذه الأَصْنَامُ صَالِحةً للمُشارَكَة في كلِّ وَجْه من الوجوه: الخَلْق والمُشارَكَة والوَثيقَة؛ كلُّ هذه مُنْتَفِيَة إذن؛ فيَبْطُلُ جَعْلُها إلَهًا مع الله.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ الظَّالمينَ - ويَشْمَلُ الكافرينَ ومَنْ دونَهم - لا يَعِدُ بَعْضُهم بعضًا إلا غرورًا وخِداعًا، فيَشْمَل ذلك الكافرين الذين يُزَيِّنون الكُفْر، ويَشْمَل ذلك أَهْلَ الخَلاعَةِ الذين يُزَيِّنونَ الخلاعة، ويَشْمَل أَهْلَ اللَّهْو الذين يُزَيِّنون اللَّهْوَ؛ فكُلُّ باطِلٍ يُزَيِّنُه أصحابُهُ نقول فيه: لا يَعِدُ الظَّالمِون بَعْضُهُم بَعْضًا إلا غُرورًا.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: الحذَرُ من أن يتمَنَّى الإِنْسَانُ على الله الأمانِيَّ، بل الذي يَنْبَغي
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء، رقم (٢١٠٥)، ومسلم: كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، رقم (٢١٠٧/ ٩٦) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

الصفحة 284