كتاب تفسير العثيمين: فاطر

للشَّيْء: (كن) فيكونُ، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: ٣٨] , قال الله تعالى: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فُصِّلَت: ١١].
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بَيانُ رَحْمَة الله عَزَّ وَجَلَّ بعباده؛ حيث سخَّر لَهُم السَّمَوات والأَرْض - بل سَخَّرَ لهم ما في السَّمَواتِ والأَرْضِ أيضًا - وهذا من كمال رَحْمَتِه، فلولا رَحْمَةُ الله عَزَّ وَجَلَّ بعباده لوَقَعَتِ السَّمَواتُ على الأَرْض وهَلَكَ النَّاسُ وما تَرَكَ عليها من دابَّةٍ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ السَّمَواتِ والأَرْضَ مَخْلوقتانِ من جُمْلَة المَخْلوقاتِ، مُسَخَّرتانِ بأَمْرِ الله؛ ففيه ردٌّ على الفلاسِفَة الذين يقولون بقِدَمِ العالَمِ وقِدَمِ الأَفْلاكِ وأنَّ الفَلَكَ التَّاسِعَ - كما يزعمون - هو المُدَبِّرُ لما تحته! !
بل نقول: هذه الأَفْلاكُ كُلُّها مَخْلوقَةٌ لله مُسَخَّرَةٌ بِأَمْرِه، ولو شاء الله عَزَّ وَجَلَّ أن تَزولَ لَزالَتْ ولم يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أن يُمْسِكَها؛ وجه الفائِدَة: أنَّها مَخْلوقَةٌ من مَخْلوقات الله فليست قديمَةً، فإنَّ إِمْساكَهَا دَليلٌ على أنَّها قائمةٌ بِأَمْرِهِ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّه لا أَحَد يَسْتَطِيعُ أن يُدَبِّرَ هذه المَخْلوقاتِ العَظيمَةَ الكبيرةَ؛ لِقَوْله تعالى: {وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: توجيه الخَلْقِ أنَّهم إذا رأوا في هذه الآياتِ؛ السَّمَواتِ والأَرْضِ، إذا رَأَوْا ما يُزْعِجُهم ويُقْلِقُهم ألَّا يَرْجِعوا إلى أَحَدٍ إلا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ.
فالزَّلازِلُ والبَراكينُ والكسوفُ والصَّواعِقُ وغَيْرُها مِمَّا يُخَوِّفُ العالَم لا نرجع فيه إلا إلى الله؛ لأَنَّه هو الذي يُمْسِكُ السَّمَواتِ والأَرْضَ أن تزولا، ولا أَحَد يُمْسِكُهُما إذا زالتا إلا اللهُ.

الصفحة 290