كتاب تفسير العثيمين: فاطر

ولكنَّ الصَّوابَ ما اختاره شيخُ الإِسْلام ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ فإنَّ هذا الذي ذهب إليه يدلُّ عليه التَّعْليلُ في الحديث: "آيتانِ مِنْ آياتِ الله يُخَوِّفُ الله بهما عِبادَهُ".
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: إِثْباتُ العِلَّة والسَّبَبِ في أفعال الله عَزَّ وَجَلَّ، لِقَوْله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}.
وإثبات العِلَلِ في أفعال الله أو في أَحْكَامه يدُلُّ على كماله لا على نَقْصِه خلافًا للنَّاقِصِينَ الذين زَعَمُوا أنَّ إِثْباتَ الحِكْمَةِ فِي أَفْعالِ الله تعالى وأَحْكَامه تدلُّ على النقص؛ ولهذا نَفَوُا الحِكْمَةَ عن أفعال الله وأَحْكَامِهِ؛ يقولون: لأنَّ ذلك يَقْتَضي النَّقْص وأَنَّه فَعَلَ لِغَرَضٍ أو حَكَمَ لِغَرَضٍ، والفاعِلُ لِغَرَضٍ ناقصٌ بدونه، وعلى هذا فيكون نَفْيُ الحِكْمَة عن أفعال الله وأَحْكَامه مِن تَنْزِيهِ الله تعالى عَنِ النَّقْصِ!
وفي الحَقيقة: أنَّ أيَّ إِنْسَانٍ يَعْتَقِدُ أن إثباتَ الحِكْمَةِ في أفعال الله تعالى وأَحْكَامِهِ نَقْصٌ فهو النَّاقِصُ، حتى إنَّ الإِنْسَان بمُجَرَّدِ ما يتأمَّل في المَسْأَلَة يَعْرِف أنَّ مَنْ فَعَلَ لِغَيْرِ حِكْمَة فقد أتى سَفَهًا، ومن فَعَلَ لحِكْمَةٍ فقد أتى رُشْدًا؛ لأنَّ الرَّشيدَ هو الذي يَفْعَلُ الشَّيْء لحِكْمَةٍ وحُسْنِ تَصَرُّف والسَّفيهُ بالعَكْس؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: ٥].
وعلى هذا ففي الآيَة هذه وغيرها من النُّصوص الكثيرة في الكِتَاب والسُّنَّة والعَقْل الصَّريحِ ما يدلُّ على إثباتِ الحِكْمَة لله عَزَّ وَجَلَّ، وأنَّ الحِكْمَةَ من أجَلِّ صفاتِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبيانُها في أَحْكَامِ الله وأفعاله من أَعْظَمِ الأُمُور وأَظْهَرِها.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: إِثْباتُ الحِكْمَة لأَنَّه عَلَّلَ إمساكَ السَّمَواتِ والأَرْضِ بَكَوْنِ ذلك مُقْتَضَى حِلْمِهِ وَمَغْفِرَتِهِ.

الصفحة 292