كتاب تفسير العثيمين: فاطر

اليهود، بل قالوا: أهدى من إحداهُما؛ أهدى من أيِّ واحِدَةٍ؛ لأنَّ الأَمْرَ عندهم الْتَبَس.
ولكن يبقى النَّظَر: ما هو الدَّليلُ على تَخْصيصِ كَلِمَة {الْأُمَمِ} بالأُمَّتَيْنِ اليَهودِيَّة والنَّصْرانِيَّة، ولماذا لا يقال إنَّها أَعَمُّ من اليهود والنصارى، فهناك مَجوسٌ يدينون بعِبَادَة النِّيرانِ، ويُمْكِن أن يُوجَدَ أناسٌ آخرون يدينون بديانةٍ أخرى؟
الجواب: إمَّا أن نَلْتَزِمَ بالعموم ونقول: إنَّهم يقولون أهدى من إحدى الأُمَمِ؛ من أيِّ أُمَّةٍ كانَتْ من اليهود أو النَّصارى أو المجوس أو الوَثَنِيِّينَ الذين يعتقدون أنَّهم على دينٍ أو ما أشبه ذلك، فكأنَّهم يقولون أهدى مِنْ كُلِّ الأُمَمِ، لكن لم يُعَيِّنوا لأنَّهم لم يَدْرُوا مَن هو الذي على حَقٍّ.
وإما أن يُقالَ خُصَّ هذا الجانِبُ بأُمَّتينِ فقط لأنَّ المَعْروفَ أنَّهم على دينٍ هُمُ اليهود والنَّصارى.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} هنا قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} ولم يَقُل: فلما جاءهم الرَّسُولُ؛ ليطابِقَ ما قالوه حتى يكون أبْلَغَ في إلزامِهِم بما قالوا؛ لأنَّهم قالوا: إن جاءهم نذيرٌ ليكُونُنَّ، فلما جاءهم نذيرٌ على حَسَبِ ما فرضوه وما قَدَّروه: جاء الأَمْرُ كذلك؛ فلما جاءهم نذيرٌ كما يقولون هم، والمُرَادُ به مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - بلا شَكٍّ، ولكن - كما أشرت - نُكِّرَ ولم يُعرَّفْ متابعةً لكَلَامِهِم؛ حيث قالوا لئن جاءنا نذيرٌ؛ يعني: فلمَّا جاءهم نذيرٌ، وكما طلبوا تمامًا وباللَّفْظِ: {مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا}.
وَقَوْله تعالى: {فَلَمَّا} هنا شَرْطِيَّةٌ، وفِعْلُ الشَّرْطِ {جَاءَهُمْ} وجوابه {مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا}.

الصفحة 298