كتاب تفسير العثيمين: فاطر

ما يَمُرُّ به وتَصَوُّره وتَعَقُّله وتَنْفيذه؟
الجواب: الله، فأنت إذا تذكَّرْتَ في قلبك - ونَسْأَلُ الله أن يُعيذَنا وإيَّاكُم مِنَ الغَفْلَةِ - عَرَفْتَ أنَّ ما بكَ من نِعْمَة فهو مِن اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فيتأمَّلُ الإِنْسَانُ: يقول: مَنِ الذي أَوْجَدَني؟ من الذي أمَدَّنِي بالنِّعَم وأنا في بطن أمي، ولا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أن يُوصِلَ إليه لُقْمَة العَيْشِ أو جَرْعَةَ الماء، ثم مَن الذي أعدَّني وهيَّأَني لأن أكونَ قابِلًا لمِا فيه مَنْفَعَتِي في الدُّنْيا والآخِرَة؟
الجواب: الله عَزَّ وَجَلَّ.
فالنِّعَم إيجادٌ وإمْدادٌ وإعدادٌ، وكُلُّ ذلك من الله عَزَّ وَجَلَّ؛ هذا ذِكْرُها بالقلب.
وأمَّا ذِكْرُها باللِّسان أن يُثْنِيَ على الله بها {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: ١١] فيتَحَدَّثُ بالنِّعَم لا على سَبيلِ الإفْتِخارِ، ولكنْ على سبيل الثَّناءِ.
ذِكْرُها بالجَوارِحِ أن يُرَى أَثَرُ هذه النِّعْمَة عليه، فإن كانت النِّعْمَةُ عِلْمًا رُؤِيَ أَثَرُ هذه النِّعْمَة عليه بِحُسْنِ التَّصَرُّف، والوَقارِ، والسَّكِينَة، والأَدَب، ونَشْر العِلْمِ، والدَّعْوَةِ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، هذا مثال، وإذا كان بِمالٍ يُرَى أثَرُ النِّعْمَة عليه بالإِنْفاقِ فيما يُحِبُّه الله عَزَّ وَجَلَّ من الزَّكاةِ، والنَّفَقاتِ الواجِبَة، والصَّدَقاتِ المُسْتَحَبَّة، والثِّيابِ الجَميلَةِ، وما أَشْبَه ذلك: "إِنَّ الله يُحِبُّ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ نِعْمَةً أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ" (¬١) هذا ذكرٌ بالجوارِحِ.
ومِن ذِكْر النِّعْمَة بالجَوارِحِ أيضًا أن يقوم بالشُّكْر، والله عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنا بذِكْرِ
---------------
(¬١) أخرجه الإمام أحمد (٤/ ٤٣٨)، من حديث عمران بن الحصين - رضي الله عنه -. والترمذي: كتاب الأدب، باب ما جاء إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، رقم (٢٨١٩)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.

الصفحة 30