كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ هؤلاء رَدُّوا الحقَّ استكبارًا في الأَرْض - أي يريدون الإسْتِكْبارَ - وهذا على وَجْهِ إِعْرابها بأنَّها مفعولٌ لأَجْلِه؛ أي إنَّه ما رَدُّوا الحَقَّ إلا أن يكون لهم الكبرياءُ والعُلُوُّ في الأَرْض.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: تسميَةُ أَعْمالِ الكافرينَ مَكرًا؛ لِقَوْله تعالى: {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} وقد ذكرنا في التَّفْسيرِ: أنَّ أَعْمالَ الكافرينَ تَنْقَسِمُ إلى قِسَمَيْنِ: قِسْم يجاهرون فيه بِكُفْرِهِم ولا يأتون به على سبيلِ المَكْرِ، وقسمٌ آخر يأتونَ به على سبيلِ المَكْرِ، والثاني أشَدُّ؛ ولهذا ما مكر قومٌ بأنبيائِهِم إلا مَكَرَ الله بهم وآخِرُهُم مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث اجتمع القومُ في دار النَّدْوَةِ يَتَشاوَرونَ ماذا يفعلون به فمَكَرَ الله بهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (¬١).
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ من أراد السُّوءَ حاقَ به السُّوء؛ لِقَوْله تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} ومن قواعد العامَّةِ يقولون: (مَنْ حَفَرَ لِأَخيهِ حُفْرَةً وقع فيها) فالإِنْسَانُ إذا أراد المَكْرَ، والعياذُ بالله، فإنَّ مَكْرَهُ يَحيقُ به.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: الإِشَارَةُ إلى أنَّ المَكْرَ يكون سيِّئًا ويكون حسنًا؛ لِقَوْله تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} وَقَوْله قَبْلُ {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} وهو كذلك، فإنَّ مَكْرَ الله تعالى بأعدائه الذين يَمْكُرون به مكرٌ حَسَنٌ يُثْنَى عليه به، ومَكْرُ أولئك سَيِّئٌ.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أن الفاعِل للسَّبَبِ مُنْتَظِرٌ للمُسَبَّب شاء أم أبى، فالإِنْسَانُ العاصي نقول له: أنت مُنْتَظِرٌ العُقوبَةَ الآن مُتَرَقِّبٌ لها حتى وإن كان لا يطرأ على باله أنَّه سيُعاقَبُ؛ لأنَّ فاعِلَ السَّبَبِ مُنْتَظِرٌ للمُسَبَّب ولا بُدَّ.
---------------
(¬١) انظر: سيرة ابن هشام (١/ ٤٨٠)، تفسير الطبري (١١/ ١٣٤).

الصفحة 307