كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: ثُبُوتُ القياسِ - أو إن شِئْتَ فقل: استعمال القياسِ - لِقَوْله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} فيقيس حالَ هؤلاء بحال الأَوَّلين الذين كَذَّبوا فعُوقِبوا.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: ومِنْ فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ أنَّ سُنّةَ الله عَزَّ وَجَلَّ في عِبادِهِ واحِدَةٌ فكل من أطاع اللهَ أثابَهُ وكُلُّ من عصى الله عاقَبَه؛ لِقَوْله تعالى: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} ولا يقالُ مثلًا إننا أُمَّةٌ شَرَّفَنا الله عَزَّ وَجَلَّ وعَظَّمَنا وكَرَّمنا فلا يؤاخِذُنا كما آخَذَ مَن قَبْلَنا، بل نقول: إنَّ مُقْتَضَى التَّشْريفِ أن نكون نحن أشَدَّ عِبَادَةً له مِمَّن سبقنا؛ لأنَّ الإِنْسَانَ إذا كُرِّم يَنْبَغي أن يقومَ بمُقْتَضَى هذا التَّكْريمِ، وليس إساءَةُ من لم تُكْرِمْه إليك كإساءَةِ من أَكْرَمْتَه بلا شَكٍّ؛ ولهذا كُلُّ من كان مُغْتَبِطًا بنِعْمَة الله عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَ عليه مِنْ شُكْرِ نِعْمَةِ الله ما لا يَجِبُ على مَن سِواه.
الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: كمال قُدْرَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ وحِكْمَتِه؛ حيث إنَّ سُنَّتَهَ لا تُبَدَّلُ ولا تُغَيَّر؛ لِقَوْلِه تعالى: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} وَجْهُ كَوْنِها من كمال القُدْرَة: أنَّ العاجِزَ لا يَسْتَطِيعُ أن يجعل أفعالَهُ على وتيرةٍ واحِدَةٍ، بل قد تتخَلَّف وتتغَيَّر لِعَجْزِه عن الإطِّرَادِ، وأمَّا كَوْنُه من تمام الحِكْمَةِ فلأنَّ مُعاقَبَةَ السَّابِقينَ كان لِسَبَبٍ، وهذا السَّبَبُ إذا وُجِدَ في الآخِرِينَ فإنَّه يَعْمَل عمله لأنَّ مُقْتَضَى الحِكْمَةِ أنَّ الأَسْبَابَ لا تتخلَّفُ عنها مُسَبَّباتُها؛ ففي قَوْلِه: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} فيها إثباتُ تمام القُدْرَةِ وتمَامِ الحِكْمَة.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أنَّ الشَّيْءَ الذي يَسْتَمِرُّ ويؤخَذُ به يسمَّى سُنة، يقال: هذه سُنَّة فلانٍ؛ أي طريقَتُه؛ ولهذا يُفرَّقُ بين السُّنَة وبين العارِضِ؛ فالعارِضُ لا يُمْكِن

الصفحة 308